للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ غَالِبُ النَّقْدِ مَا أذن فيه أَحَدُهُمَا إِمَّا الرَّاهِنُ أَوِ الْمُرْتَهِنُ وَجِنْسُ الْحَقِّ مَا أَذِنَ بِهِ الْآخَرُ إِمَّا الرَّاهِنُ أَوِ الْمُرْتَهِنُ، فَلَيْسَ لِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِمَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا فِيمَا دَعَا إِلَيْهِ فَافْتَقَرَ إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى اجْتِهَادِهِ، فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي اخْتِلَافِهِمَا بِأَنْ لَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُهُ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَسَاعَدَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ، وَإِطْلَاقُهُ عِنْدِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا وَصَفْتُ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ يَقْتَضِيهِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنْ لَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُهُ إِذَا اخْتَلَفَا على ما وصفت فقد قال الشافعي: وَجَاءَ الْعَدْلُ إِلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْبَيْعِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إِضْمَارٌ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ ابْتِدَاءً إِذْ لَيْسَ فِي بَيْعِهِ حَقٌّ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فَيَأْتِي الْحَاكِمَ مُسْتَعْدِيًا، وَإِنَّمَا الْحَقُّ لِلرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَإِضْمَارُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّاهِنَ أَوِ الْمُرْتَهِنَ، جَاءَ إِلَى الْحَاكِمِ مُسْتَعْدِيًا فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُحْضِرُ الْعَدْلَ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِبَيْعِهِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ إِذَا كَانَ الْحَظُّ لَهُمَا. فَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ جِنْسِ الْحَقِّ تَقَدَّمَ بِدَفْعِهِ إِلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ تَقَدَّمَ بِصَرْفِهِ فِي جِنْسِ الْحَقِّ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى المرتهن والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْعَدْلِ فَأَيُّهُمَا دَعَا إِلَى إِخْرَاجِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا الْعَدْلُ فَهُوَ نَائِبٌ عَنِ الرَّاهِنِ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ وَعَنِ الْمُرْتَهِنِ فِي حَبْسِ الرَّهْنِ، فَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى وَضْعِ الرَّهْنِ عَلَى يَدِ عَدْلٍ أَوْ شَرَطَا ذَلِكَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ يَدِهِ وَوَضْعِهِ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَذَاكَ لَهُمَا سَوَاءٌ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْعَدْلِ أَمْ لَا، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى إِقْرَارِهِ فِي يَدِهِ وَالْإِذْنِ لَهُ بِبَيْعِهِ فَذَاكَ لَهُمَا سواء تغيرت حال العدل أم لا وإن دَعَا أَحَدُهُمَا إِلَى إِخْرَاجِهِ وَدَعَا الْآخَرُ إِلَى إِقْرَارِهِ فِي يَدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ عَدَالَتِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ دَعَا إِلَى إِقْرَارِهِ فِي يَدِهِ، لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُ حُكْمًا لَزِمَ بِعَقْدٍ وَاتِّفَاقٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ قَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ:

إِمَّا لِفِسْقٍ فِي دِينِهِ، أَوْ عَجْزٍ فِي حِفْظِهِ، أَوْ عَدَاوَةٍ ظَهَرَتْ مِنْهُ لِمَالِكِ الرَّهْنِ أَوْ مُرْتَهِنِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ من دعا إلى إخراجه يَدِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِفْظًا لَحِقِّهِ فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْ يَدِهِ قَالَ لَهُمَا الْحَاكِمُ: اتَّفِقَا عَلَى اخْتِيَارِ عَدْلٍ يُوضَعُ عَلَى يَدَيْهِ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى اخْتِيَارِهِ وَضَعَهُ فِي يَدِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا وَاخْتَارَ الرَّاهِنُ عَدْلًا وَاخْتَارَ الْمُرْتَهِنُ عَدْلًا وَضَعَهُ الْحَاكِمُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ يَخْتَارُهُ لَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الْعَدْلُ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدِهِ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ أَوْ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَعْدَ الرَّهْنِ، فِي أَنَّ الْحُكْمَ فِي وُجُوبِ إِقْرَارِهِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>