للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَدَرًا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ وَلَا يَجِبُ الْأَرْشُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ مِلْكِهِ لِمَحَلِّ الْأَرْشِ، فَلَوْ لَمْ يَقْتَصَّ السَّيِّدُ مَنْ عَبْدِهِ الْمَرْهُونِ وَلَا عَفَا عَنْهُ حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ مِنْ غَيْرِ الْجِنَايَةِ كَانَ لِوَارِثِهِ الْقِصَاصُ مِنَ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ فَإِنْ عَفَا الْوَارِثُ عَنِ الْقِصَاصِ إِلَى الْأَرْشِ سَقَطَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْأَرْشُ لِأَنَّهُ يَحُلُّ مَحَلَّ السَّيِّدِ فَمَلَكَ عَنْهُ مَا كَانَ السَّيِّدُ مَالِكًا لَهُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بِنَفْسِهِ أَوْ يَقْتَصَّ لَهُ السُّلْطَانُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَحُدَّهُ إِذَا زَنَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ حَتَّى يَقْتَصَّ السُّلْطَانُ لَهُ لِأَنَّهُ الْخَصْمُ فِي الْقِصَاصِ وَالْخَصْمُ فِي الْقِصَاصِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ كَالْأَجْنَبِيِّ.

(فَصْلٌ)

وَإِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ خَطَأً فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَكُونُ هَدَرًا فَلَا شَيْءَ لِوَارِثِهِ.

كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَكُونُ هَدَرًا وَلَهُمْ إِخْرَاجُهُ مِنَ الرَّهْنِ وَبَيْعُهُ فِي الْجِنَايَةِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ فِي الدِّيَةِ مَتَى تَجِبُ فَأَحَدُ قَوْلَيْهِ أَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَقْتُولِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْضِي مِنْهَا دُيُونَهُ، وَتُنَفَّذُ فِيهَا وَصَايَاهُ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا فِي مِلْكِهِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الْجِنَايَةُ هَدَرًا لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ مَالٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَبْدُ رَهْنًا بِحَالِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَجِبُ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الدِّيَةَ بَدَلٌ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ وُجُوبُهَا مَعَ بَقَاءِ نَفْسِهِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَكُونُ هَدَرًا وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي رَقَبَتِهِ وَلَهُمْ إِخْرَاجُهُ مِنَ الرَّهْنِ وَبَيْعُهُ فِيهَا فَعَلَى هَذَا إِذَا بِيعَ فِي الْجِنَايَةِ بَطَلَ الرَّهْنُ وَكَانَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَاجِبًا فِي التَّرِكَةِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ جِنَايَةَ عَمْدٍ تُوجِبُ الْقَوَدَ فَلِلْوَارِثِ إِذَا كَانَ بالغا ثلاثة أحوال:

أحدها: أَنْ يَطْلُبَ الْقَوَدَ وَيُرِيدَ الْقِصَاصَ فَذَلِكَ لَهُ، لِأَنَّ السَّيِّدَ قَدْ يَجِبُ لَهُ الْقِصَاصُ عَلَى عَبْدِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَحَلَّ الْقِصَاصَ قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَجَازَ أَنْ يَمْلِكَهُ بِالْجِنَايَةِ، وَهُوَ يَمْلِكُ مَحَلَّ الْأَرْشِ قَبْلَ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكَهُ بِالْجِنَايَةِ، وَإِذَا اقْتَصَّ مِنْهُ الْوَارِثُ بَطَلَ الرَّهْنُ وَتَعَلَّقَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِالتَّرِكَةِ كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>