للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُمَلِّكَهُ رَقَبَةَ عَبْدِهِ جَازَ أَنْ يُمَلِّكَهُ الِانْتِفَاعَ بِرَقَبَتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُمَلِّكَهُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مُوَثَّقًا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ جَازَ أَنْ يَجْعَلَهُ مُوَثَّقًا فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ لِاسْتِوَاءِ تَصَرُّفِهِ فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ وَرَقَبَةِ عَبْدِهِ.

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حُكْمِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الرَّهْنِ الصَّغِيرِ وَالرَّهْنِ الْقَدِيمِ.

أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ جَارٍ مَجْرَى الْعَارِيَةِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ أَرْفَقَ الرَّاهِنُ مَنْفَعَتَهُ فِيمَا اسْتَأْذَنَ بِهِ مِنْ رَهْنِ رَقَبَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَارِيَةً كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِخِدْمَتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَبْدُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ وَكَانَتْ ذِمَّةُ السَّيِّدِ بَرِيَّةً مِنْ حَقِّ مُرْتَهِنِهِ انْصَرَفَ عَنِ الضَّمَانِ لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ إِلَى العارية لاختصاصه بِالْمَنْفَعَةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِرَقَبَةِ عَبْدِهِ كَمِلْكِهِ لِذِمَّةِ نَفْسِهِ ثُمَّ كَانَ لَوْ جُعِلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ مُوَثَّقًا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ كَانَ ضَمَانًا وَلَمْ يَكُنْ عَارِيَةً وَجَبَ إِذَا جُعِلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ مُوَثَّقًا في رقبة عبده أن يكون ضمانا لا تكون عَارِيَةً.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَارِيَةَ تَخْتَصُّ بِالْمَنْفَعَةِ وَالضَّمَانَ يَخْتَصُّ بِالْوَثِيقَةِ فَلَمَّا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ عَلَى مِلْكِ سَيِّدِهِ لَمْ يَكُنْ عَارِيَةً وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانًا لِاخْتِصَاصِهِ بِالْوَثِيقَةِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَرَهْنُهُ صَحِيحٌ سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْعَارِيَةِ، أَوْ قِيلَ إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: إِنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُ إِذَا قِيلَ إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ فَأَمَّا إِذَا قِيلَ إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْعَارِيَةِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَارِيَتِهِ وَالرَّهْنُ يَمْنَعُ مِنَ الرُّجُوعِ بَعْدَ تَمَامِهِ فَلَمَّا تَنَافَيَا حُكْمُ الْعَارِيَةِ وَالرَّهْنُ لَمْ يَصِحَّ إِعَارَةُ الرَّهْنِ. وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْعَارِيَةَ تَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ جَائِزَةً وَلَازِمَةً، فَالْجَائِزَةُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَاللَّازِمَةُ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا كَإِعَارَةِ حَائِطٍ لِوَضْعِ جُذُوعٍ وَإِعَارَةِ أَرْضٍ لِدَفْنِ مَيِّتٍ فَكَذَا إِعَارَةُ عَبْدِ الرَّهْنِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ رَهْنِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا، انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى التَّفْرِيعِ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا قِيلَ إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْعَارِيَةِ جَازَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي رَهْنِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِجِنْسِ الْحَقِّ وَقَدْرِهِ وَوَصْفِهِ وَمَالِكِهِ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ بِمَنْفَعَةِ الْعَارِيَةِ لَا تَقْدَحُ فِي صِحَّتِهَا، فَلَوْ أُذِنَ لَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَرْهَنَهُ فِي قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ جِنْسٍ مَعْلُومٍ عَلَى صِفَةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ لِمُسْتَعِيرِهِ أن

<<  <  ج: ص:  >  >>