للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْ أَعَارَ شَيْئًا لِيُنْتَفَعَ بِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْتَفَعَ قَبْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ قُلْنَا يَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مِنْ ضَمِنَ شَيْئًا إِلَى مُدَّةٍ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ تِلْكَ الْمُدَّةِ.

وَإِنْ خَالَفَهُ فِي الْمَالِكِ فَمِثَالُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي رَهْنِهِ عِنْدَ زَيْدٍ فَرَهَنَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ، لِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ لِزَيْدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الضَّمَانُ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْعَارِيَةِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ وَإِنْ صَارَ مَرْهُونًا عِنْدَ غَيْرِ مَنْ أُذِنَ لَهُ، فَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ مَوْضُوعًا عَلَى يَدِ مَنِ ارْتَهَنَهُ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ لَمْ يَقَعِ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَقُّ الِارْتِهَانِ لِزَيْدٍ أَوْ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَلَّا يُوضَعَ عَلَى يَدِ مُرْتَهِنِهِ وَيُوضَعَ عَلَى يَدِ عَدْلٍ يَرْضَيَانِ بِهِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ رَهْنَهُ لَا يَصِحُّ إِذَا خَالَفَهُ فَرَهَنَهُ رَهْنًا صَحِيحًا كَمَا أَذِنَ لَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِفَكَاكِهِ مِنَ الرَّهْنِ وَخَلَاصِهِ. فَلَا يَخْلُو حَالُ الْحَقِّ الْمَرْهُونِ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ.

إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالًا أَوْ يَكُونُ مُؤَجَّلًا فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَالًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِخَلَاصِهِ وَيُطَالِبَهُ بِفَكَاكِهِ إِنْ جَرَى مَجْرَى الْعَارِيَةِ، فَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِي الْعَارِيَةِ، وَإِنْ جَرَى مَجْرَى الضَّمَانِ فَلِلضَّامِنِ أَخْذُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِفَكَاكِهِ مِمَّا ضَمِنَهُ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مُؤَجَّلًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِفَكَاكِهِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ إِنْ قُلْنَا إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْعَارِيَةِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِفَكَاكِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَارِيَتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِفَكَاكِهِ لِأَنَّ الضَّامِنَ إِلَى أَجَلٍ لَيْسَ لَهُ أَخْذُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِفَكَاكِهِ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُفَكَّ مِنَ الرَّهْنِ وَالثَّانِي أَنْ يُبَاعَ فِي الرَّهْنِ وَالثَّالِثُ أَنْ يُتْلَفَ فِي الرَّهْنِ. فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يُفَكَّ مِنَ الرَّهْنِ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ وَيَسْقُطُ عَنِ الرَّاهِنِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمَانُهُ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ فَكَّهُ مِنَ الرَّهْنِ بِقَضَاءٍ أَوْ بِإِبْرَاءِ الْمُرْتَهِنِ لَهُ، خَلَصَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ وَبَرِئَ الرَّاهِنُ عَنْ ضَمَانِهِ وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ قَدْ فَكَّهُ مِنَ الرَّهْنِ بِقَضَاءِ الْحَقِّ، نُظِرَ فَإِنْ فَكَّهُ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا افْتَكَّهُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ قَلِيلًا كَانَ الْحَقُّ أَمْ كَثِيرًا، وَإِنِ افْتَكَّهُ بِقَضَاءِ الْحَقِّ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ الرَّاهِنِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا افْتَكَّهُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الضَّمَانِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ الَّذِي افْتَكَّهُ كَمَنْ ضَمِنَ عَنْهُ حَقًّا بِأَمْرِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا غَرِمَهُ فِي ضَمَانِهِ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْعَارِيَةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِالْحَقِّ الَّذِي افْتَكَّهُ لِأَنَّ الْعَارِيَةَ تُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ مَا أَعَارَهُ وَلَا تُوجِبُ غُرْمَ مَا تعلق بالمعار.

<<  <  ج: ص:  >  >>