للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ لِرَجُلٍ أَلْفَانِ، أَحَدُهُمَا بِرَهْنٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ رَهْنٍ، فَقَضَاهُ مِنَ الْأَلْفَيْنِ أَلْفًا، فَإِنْ جَعَلَهَا قَضَاءً فِي الْأَلْفِ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ، كَانَتْ كَذَلِكَ، وَخَرَجَ الرَّهْنُ مِنْ وَثِيقَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ جَعَلَهَا قَضَاءً مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الرَّهْنُ، كَانَتْ كَذَلِكَ، وَكَانَ الرَّاهِنُ عَلَى حَالِهِ في الألف الأخرى وثيقة للمرتهن.

فإن دَفَعَهَا مُطْلَقَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَهَا فِي أَيِّ الْأَلْفَيْنِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ المروزي: إن لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا قَضَاءً فِي أَيِّ الْأَلْفَيْنِ شَاءَ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ إِحْدَى امْرَأَتَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَعَيُّنٍ، كَانَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ الطَّلَاقَ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ، فَعَلَى هَذَا إِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا قَضَاءً مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَجْعَلَهَا قَضَاءً مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا الرَّهْنُ فَذَلِكَ لَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا تكون قَضَاءً فِي الْأَلْفَيْنِ مَعًا، فَيَكُونُ نِصْفُهَا قَضَاءً مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ قضاء من الألف التي ليس فيها الرهن، لِاسْتِوَاءِ الْأَلْفَيْنِ وَحُصُولِ الْإِبْرَاءِ بِالدَّفْعِ، فَلَمْ تَكُنْ إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْأُخْرَى.

فَعَلَى هَذَا وَلَوِ اتَّفَقَا بَعْدَ الدَّفْعِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ قَضَاءً مِنْ إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَتُعْتَبَرُ الْأَلْفُ الْمَدْفُوعَةُ قَضَاءً فِيمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنَ الْأَلْفَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ الدَّفْعِ، جَازَ ذَلِكَ لَهُ بَعْدَ الدَّفْعِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ قَدْ حَصَلَ بِالدَّفْعِ، فَإِذَا كَانَ الدَّفْعُ قَدْ جَعَلَهَا مِنَ الْأَلْفَيْنِ نِصْفَيْنِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ بِاتِّفَاقِهِمَا قَضَاءً مِنْ إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ، لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ نَقْلَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.

(فَصْلٌ)

فَلَوْ دَفَعَ الْأَلْفَ قَضَاءً مِنْ إِحْدَى الْأَلْفَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ الدَّافِعُ الْقَاضِي: دَفَعْتُهَا قَضَاءً مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي بِرَهْنٍ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بَلْ دَفَعْتَهَا مِنَ الْأَلْفِ الَّتِي بَلَا رَهْنٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ مُزِيلٌ لِمِلْكِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَةِ إِزَالَةِ مِلْكِهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ، وَإِذَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ الْقَاضِي، لَمْ يَخْلُ حَالُ الْمُرْتَهِنِ الْقَابِضِ مِنْ أحد أمرين، إما أن يدعي على القاضي، أَنَّهُ صَرَّحَ لَهُ عِنْدَ الدَّفْعِ أَنَّهَا الَّتِي بَلَا رَهْنٍ، أَوْ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ صَرَّحَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْعِ، وَجَبَ عَلَى الرَّاهِنِ الْقَاضِي الْيَمِينُ، بِاللَّهِ أَنَّهُ دَفَعَهَا قَضَاءً مِنَ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ عِنْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>