للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

وَقَدْ يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الرَّهْنِ وَالضَّمَانِ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ، أَنْ يَكُونَ عَلَى رَجُلٍ أَلْفَانِ، إِحْدَاهُمَا بِرَهْنٍ وَالْأُخْرَى بِضَمِينٍ فَيَقْضِي ألفا ويبرؤه صَاحِبُ الْحَقِّ مِنْ أَلْفٍ، ثُمَّ يَخْتَلِفُ الْقَاضِي وَالْمُبَرِئُ، فَيَقُولُ الْقَاضِي قَضَيْتُكَ الْأَلْفَ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ وَأَبْرَأْتَنِي مِنَ الَّتِي فِيهَا الضَّمِينُ، وَيَقُولُ الْمُبَرِئُ: أَبْرَأْتُكَ مِنَ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ وَقَضَيْتَنِي الَّتِي فِيهَا الضَّمِينُ، فَهَذَا اخْتِلَافٌ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَا بِعَكْسِ ذَلِكَ، لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَلْفَيْنِ مَعًا، بِالْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ، وَخُرُوجِ الرَّهْنِ والضمين، وَلَكِنْ لَوْ قَالَ الْقَاضِي: قَضَيْتُكَ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ وَأَبْرَأْتَنِي مِنَ الَّتِي فِيهَا الضَّمِينُ، وَقَالَ الْمُبَرِئُ: بَلْ أَبْرَأْتُكَ مِنَ الَّتِي فِيهَا الرَّهْنُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي فِي قَضَائِهِ، وَقَوْلُ الْمُبَرِئِ فِي إِبْرَائِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْإِبْرَاءِ، فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَلَا تَأْثِيرَ لِوُقُوعِ الْإِبْرَاءِ قَبْلَهُ بِالْقَضَاءِ، وَتَكُونُ الْأَلْفُ الَّتِي فِيهَا الضَّمِينُ بَاقِيَةً، وَإِنْ كَانَ الْإِبْرَاءُ كَانَ مَا دَفَعَهُ مِنَ الْقَضَاءِ مَنْقُولًا عَمَّا فِيهِ الرَّهْنُ لِتَقَدُّمِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ، إِلَى مَا فِيهِ الضَّمِينُ لِبَقَائِهِ عليه، ويبرأ من الألفين والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُهُ هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ بِأَلْفٍ وَلَمْ أَدْفَعْهَا إِلَيْهِ فَغَصَبَنِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا مِنِّي رَجُلٌ وَأَنْزَلَهُ فِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا هُوَ مِنِّي فَنَزَلَهَا وَلَمْ أُسْلِمْهَا رَهْنًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَارًا فِي يَدِهِ أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ عِنْدَهُ عَلَى أَلْفٍ لَهُ عَلَى مَالِكِهَا، وَقَالَ الْمَالِكُ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ رَهَنْتُهُ الدَّارَ بِهَا، غَيْرَ أَنَّنِي لَمْ أُقْبِضْهُ إِيَّاهَا، وَإِنَّمَا غَصَبَنِيهَا أَوْ تَكَارَاهَا أَوِ اسْتَعَارَهَا أَوْ تَكَارَاهَا رَجُلٌ فَأَنْزَلَهُ بِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكِهَا مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبْضِ فَكَانَ الْخُلْفُ فِي الْقَبْضِ، خُلْفًا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ وَكَذَلِكَ إِذَا اخْتَلَفَا فِي الْقَبْضِ بَعْدَ الْعَقْدِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الرَّاهِنِ، فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ لَوِ اشْتَرَى رَجُلٌ دَارًا ثُمَّ وُجِدَتِ الدَّارُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَقْبَضَنِيهَا وَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُهُ وَلَمْ أَقْبِضْ، لَكِنْ غَصَبَنِيهَا، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي لِحُصُولِ يَدِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ إِذَا كَانَتِ الدَّارُ فِي يَدِهِ، وَقَالَ أَقْبَضَنِيهَا الْمُؤَجِّرُ، وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ: بَلْ غَصَبَنِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ لِحُصُولِ يَدِهِ فَهَلَّا كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فِي قَبْضِ الْمَرْهُونِ لِحُصُولِ يَدِهِ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، أَنَّ الْقَبْضَ فِي الرَّهْنِ شَرْطٌ في تمامه لا يصح أن يجبر عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَيْسَتْ يَدُ الْمُرْتَهِنِ دَلِيلًا عَلَى اخْتِيَارِهِ، وَالْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَاجِبٌ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ وَالْمُؤَجِّرُ، فَكَانَتْ يَدُ الْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرِ دَلِيلًا عَلَى حُصُولِهِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى تَعْلِيلِ هَذَا الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِجَارَةِ، وَالرَّهْنِ، أَنَّ إِجَارَةَ الرَّهْنِ مِنْ مُرْتَهِنِهِ جَائِزَةٌ، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى قَبْضٍ لكونها في

<<  <  ج: ص:  >  >>