للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي أَنَّ نماء الرهن ومنافعه ملك للراهن دون المرتهن، فَقَدَّمَ الشَّافِعِيُّ سُكْنَى الدُّورِ وَزُرُوعَ الْأَرَضِينَ فَإِنْ كان الرهن دارا فللراهن حالات، حَالٌ يُرِيدُ سُكْنَاهَا وَحَالٌ يُرِيدُ إِجَارَتَهَا، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَهَا فَمَنْصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ سُكْنَاهَا مُدَّةَ الرَّهْنِ، فَإِذَا حَلَّ الْحَقُّ بِيعَتْ فِيهِ.

وَقَالَ فِي الرَّهْنِ الصَّغِيرِ وَالرَّهْنِ الْقَدِيمِ: يُمْنَعُ مِنْ سُكْنَاهَا إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْمُرْتَهِنُ، وَقِيلَ: لَكَ أَنْ تُؤْجِرَهَا غَيْرَكَ وَلَا تَسْكُنَهَا بِنَفْسِكَ.

فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخَرِّجُهَا عَلَى قولين.

وقال آخرون وهذا الصَّحِيحُ: إِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَجَازَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْكُنَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَغَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا كَانَ ثِقَةً يُؤْمَنُ جُحُودُهُ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي مَنَعَ الرَّاهِنَ أَنْ يَسْكُنَهَا إِلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ إِذَا كَانَ مُتَّهَمًا لَا يُؤْمَنُ جُحُودُهُ. فَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ إِجَارَتَهَا، فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا مُدَّةَ الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَيْهَا، مِثَالُهُ أَنْ تَكُونَ مُدَّةُ الرَّهْنِ وَأَجَلُ الْحَقِّ سَنَةً، فَلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا سَنَةً فَمَا دُونَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ فَإِنْ آجَرَهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ قَدْ آجَرَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، صَحَّتِ الْإِجَارَةُ وَلَزِمَتْ، وَإِنْ أَجَّرَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَفِي الْإِجَارَةِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: جَائِزَةٌ.

وَالثَّانِي: غَيْرُ جَائِزَةٍ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمُؤَاجَرَةِ، فَإِنْ قِيلَ إِنَّ بَيْعَ الدَّارِ الْمُؤَاجَرَةِ جَائِزٌ، جَازَتِ الْمُؤَاجَرَةُ وَإِنْ قِيلَ إِنَّ بَيْعَ الدَّارِ الْمُؤَاجَرَةِ لَا يَجُوزُ لَمْ تَجُزِ الْإِجَارَةُ.

فَإِذَا قُلْنَا إِنَّ الْإِجَارَةَ غَيْرُ جَائِزَةٍ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ فِيمَا زَادَ عَلَى السَّنَةِ، وَهَلْ تَبْطُلُ فِي السَّنَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ قَدْ جَمَعَ جَائِزًا وَغَيْرَ جَائِزٍ. وَإِذَا قُلْنَا الْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُوكِسُ فِي ثَمَنِ الرَّهْنِ فَهِيَ لَازِمَةٌ فِي جَمِيعِ مُدَّتِهَا، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ الِاعْتِرَاضُ، وَإِنْ كَانَتْ تُوكِسُ فِي ثَمَنِ الرَّهْنِ، بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى السَّنَةِ، وَهَلْ تَبْطُلُ فِي السَّنَةِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ الرَّاهِنُ مِمَّا يُوكِسُ فِي ثَمَنِ الرَّهْنِ مَرْدُودٌ كَتَزْوِيجِ الْأَمَةِ، وَسَوَاءٌ رَضِيَ بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فِيمَا بَعْدُ أَوْ لَمْ يَرْضَ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أرضا. فللراهن حالات، حَالٌ يُرِيدُ إِجَارَتَهَا وَحَالٌ يُرِيدُ زِرَاعَتَهَا، فَإِنْ أَرَادَ إِجَارَتَهَا كَانَ عَلَى مَا مَضَى فِي إِجَارَةِ الدَّارِ، وَإِنْ أَرَادَ زِرَاعَتَهَا فَلَهُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا بِخِلَافِ سُكْنَى الدَّارِ، فَإِنَّ لِلسَّاكِنِ يَدًا عَلَى الدَّارِ فَجَازَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ الرَّاهِنُ إِلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَيْسَ لِلزَّارِعِ يَدٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَإِنَّمَا يَدُهُ عَلَى الزَّرْعِ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهَا الرَّاهِنُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>