للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ مُعَيَّنَةً وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِي عَيْنِهِ لِبِنَاءِ دَارٍ، أَوْ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ بِهِ رَهْنًا، لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ من العمل تعين عليه لا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ كَالْعَوَارِي وَالْغُصُوبِ فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهُ فِي ذِمَّتِهِ بِنَاءُ دَارٍ أَوْ عَمَلٌ مَعْلُومٌ فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ إِلَيْهِ أَوْ لَمْ يَدْفَعْهَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ رِضًا، لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ مِنَ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ وَالْعَمَلُ قَبْلَ دَفْعِ الْأُجْرَةِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، فَإِنْ كَانَ قَدْ دَفَعَ الْأُجْرَةَ إِلَيْهِ فَفِي جَوَازِ أَخْذِ الرَّهْنِ فِي الْعَمَلِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرَّهْنِ فِيهِ، لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْعَمَلِ مِنَ الرَّهْنِ غَيْرُ مُمْكِنٍ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ أَخْذَ الرَّهْنِ فِيهِ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَقِرٌّ فِي الذِّمَّةِ لَهُ قِيمَةٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنَ الرَّهْنِ فَجَازَ فِيهِ كَالدَّيْنِ.

(فَصْلٌ آخَرُ)

: إِذَا ضَمِنَ لَهُ أَلْفًا وَاسْتَقَرَّ ضَمَانُ الْأَلْفِ عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يُعْطِيَهُ بِالْأَلْفِ الَّتِي ضَمِنَهَا رَهْنًا، لِأَنَّهُ حَقٌّ مُسْتَقِرٌّ.

فَرْعٌ: وَلَوْ ضَمِنَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ بِهَا رَهْنًا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ ضَمِنْتُ لَكَ عَنْ فُلَانٍ أَلْفًا عَلَى أَنَّنِي أُعْطِيكَ بِهَا رَهْنًا كَانَ فِي صِحَّةِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ رَهْنُ شَرْطٍ مَعَ وُجُوبِ الْحَقِّ كَالْبَيْعِ، فَعَلَى هَذَا الضَّامِنُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِقْبَاضِ الرَّهْنِ وَمَنْعِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: الضَّمَانُ فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ فَإِذَا شَرَطَ فِيهِ الِاسْتِيثَاقَ بِالرَّهْنِ صَارَتْ وَثِيقَةُ الضَّمَانِ وَاهِيَةً فَبَطَلَتْ والله أعلم.

فرع: فلو أعطاه رهن بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ الْأَلْفَ فُلَانٌ كَانَ فِي صِحَّةِ الرَّهْنِ وَجْهَانِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الضَّمَانِ [لِأَنَّ شَرْطَ الضَّمَانِ فِي الرَّهْنِ كَشَرْطِ الرَّهْنِ فِي الضَّمَانِ] أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ: أَنَّ الرَّهْنَ صَحِيحٌ، وَالْمَشْرُوطُ ضَمَانُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَضْمَنَ أَوْ يَمْتَنِعَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الرَّهْنَ فَاسِدٌ لِوَهَاءِ الِاسْتِيثَاقِ بِهِ عِنْدَ شَرْطِ الضَّمَانِ فِيهِ.

فَرْعٌ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ أَلْفٌ فَأَعْطَاهُ بِهَا رَهْنًا وَأَقَامَ لَهُ بِهَا ضَامِنًا جَازَ، لِأَنَّ الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ، وَالضَّمَانَ وَثِيقَةٌ، فَلَمْ يَمْتَنِعِ اجْتِمَاعُهُمَا مِنْ حَقٍّ وَاحِدٍ كَاجْتِمَاعِ الشَّهَادَةِ وَالضَّمَانِ، فَإِذَا حَلَّ الْحَقُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةَ الضامن به،

<<  <  ج: ص:  >  >>