للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: حِفْظُ مَالِهِ عَلَى غُرَمَائِهِ لِيَصِلُوا إِلَى حُقُوقِهِمْ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: رَدُّ الْأَعْيَانِ إِلَى بَائِعِهَا إِذَا لَمْ يَقْضُوا أَثْمَانَهَا وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ حَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقَعَ الْحَجْرُ حَجْرَ الْمُفْلِسِ عَلَى مَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَاجِزًا عَنْ قَدْرِ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ سَقَطَ حَجْرُ الْمُفْلِسِ عَنْهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ فِي الْحَيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ، لِأَنَّ الْحَيَّ يُخَافُ تَبْذِيرُهُ فَجَازَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ مَعَ الْوَفَاءِ وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْمَيِّتِ، لِأَنَّ الْوَرَثَةَ مَمْنُوعُونَ مِنَ التَّصَرُّفِ بِكُلِّ حَالٍ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إِلَّا بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ فَلَمْ يَجُزْ إِيقَاعُ حَجْرِ الْمُفْلِسِ عَلَى مَالِهِ مَعَ وُجُودِ الْوَفَاءِ ثُمَّ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الْحَجْرِ عِنْدَ عَجْزِ الْمَالِ رَدُّ الْأَعْيَانِ عَلَى بَائِعِهَا إِذَا لَمْ يَقْبِضْ أَثْمَانَهَا فَأَمَّا حِفْظُ التَّرِكَةِ عَلَى الْغُرَمَاءِ فَذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ مَعَ وُجُودِ الْفَلَسِ وَعَدَمِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا أَجْعَلُ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعَهُ بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَلَا لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ وَقَدْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أحق به منهم (قال المزني) قلت أنا وقال في المحبس إِذَا هَلَكَ أَهْلُهُ رَجَعَ إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلى المحبس فقد جعل لأقرب الناس بِالْمَحْبَسِ فِي حَيَاتِهِ مَا لَمْ يَجْعَلْ لِلْمَحْبَسِ وهذا عندي غير جائز ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ عَيْنُ مَالِ الْبَائِعِ زَائِدَ الْقِيمَةِ عَلَى ثَمَنِهِ فَبَذَلَ لَهُ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَافِيًا لِيَبِيعُوا السِّلْعَةَ مَعَ زِيَادَتِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ وَكَانَ أَحَقَّ بِعَيْنِ مَالِهِ وَكَذَلِكَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ إِذَا بَذَلُوا لَهُ الثَّمَنَ مُوفَرًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا بَذَلَ الْغُرَمَاءُ لِلْبَائِعِ ثَمَنَ سِلْعَتِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الرُّجُوعِ بِهَا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ رُجُوعَهُ بِعَيْنِ مَالِهِ إِنَّمَا كَانَ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُ بِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ مِنْ مُشَارَكَةِ الْغُرَمَاءِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ فِي غَيْرِ الْمُفْلِسِ لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى فَإِذَا بَذَلَ لَهُ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ مُوفَرًا زَالَ عَنْهُ الضَّرَرُ فَسَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الرُّجُوعِ كَمَا سَقَطَ فِي غَيْرِ الْمُفْلِسِ، وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ أَقْوَى مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالْعَيْنِ، لِأَنَّهُمَا إِذَا اجْتَمَعَا قُدِّمَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْغُرَمَاءَ لَوْ بَذَلُوا لِلْمُرْتَهِنِ دَيْنَهُ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الرَّهْنِ وَجَبَ إِذَا بَذَلُوا لِلْبَائِعِ الثَّمَنَ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ مِنَ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ بِفَلَسِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ بِفَلَسِ الْمُشْتَرِي فَلَمَّا كَانَ الْغُرَمَاءُ لَوْ بَذَلُوا لِلْمُؤَجِّرِ الْأُجْرَةَ سَقَطَ حَقُّهُ مِنَ الْفَسْخِ وَجَبَ إِذَا بَذَلُوا لِلْبَائِعِ الثَّمَنَ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ مِنَ الْفَسْخِ، وَدَلِيلُنَا: عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ ". وَلِأَنَّ حُدُوثَ الْعَيْبِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي كَوُجُودِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ فَلَمَّا كَانَ بَذْلُ الْبَائِعِ أَرْشَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ الْمُشْتَرِي مِنَ الرَّدِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَذْلُ الْغُرَمَاءِ الثَّمَنَ لَا يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنَ اسْتِرْجَاعِ الْعَيْنِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي اسْتِرْجَاعِ الْعَيْنِ كَحَقِّ الشَّفِيعِ فِي انْتِزَاعِ الشِّقْصِ بِالشُّفْعَةِ فَلَمَّا كَانَ بَذْلُ الْغُرَمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>