للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِقَسْمِ مَالِ الْمُفْلِسِ إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ جَمِيعِ غُرَمَائِهِ وَيُشْهِرُ فِي النَّاسِ أَمْرَهُ لِيَعْلَمَ بِهِ الْغَائِبُ فَإِنَّهُ قَدْ رُبَّمَا كَانَ لَهُ غَرِيمٌ غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ بِحَالِهِ فِي الْغَيْبَةِ فَإِذَا تَوَقَّفَ وَبَحَثَ وَلَمْ يَعْلَمْ لَهُ غَرِيمًا غَيْرَ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ قَسَّمَ حِينَئِذٍ مَالَهُ بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُكَلِّفَ الْغُرَمَاءَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ أَنْ لَا غَرِيمَ لَهُ سِوَاهُمْ. فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ الْحَاكِمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَسِّمَ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُمْ فَهَلَّا كَانَ الْغُرَمَاءُ كَذَلِكَ؟ قُلْنَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ سِوَاهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِجَمِيعِهِ وَالْغَرِيمُ مُسْتَحِقٌّ لِجَمِيعِ دَيْنِهِ إِلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ لَهُ غَرِيمًا سِوَاهُ فَلَمَّا لَمْ تَقُمِ الْبَيِّنَةُ جَازَ الْحُكْمُ لَهُ بِهِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصْرَفَ بِالشَّكِّ عَنْ حَقِّهِ يُوَضِّحُ مَعْنَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ لَوْ عَفَا عَنْ حَقِّهِ مِنَ التَّرِكَةِ لَمْ يُرَدَّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنَ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا حُقُوقَهُمْ وَلَوْ عَفَا أَحَدُ الْغُرَمَاءِ عَنْ حَقِّهِ رُدَّ ذَلِكَ عَلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ غُرَمَائِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَدِ اسْتَوْفَوْا بِتِلْكَ الْقِسْمَةِ حُقُوقَهُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا قَسَّمَ الْحَاكِمُ مَالَ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ عِنْدَ ظُهُورِ أَمْرِهِ وَاجْتِمَاعِ مَالِهِ ثُمَّ حْضَرَ لَهُ غَرِيمٌ آخَرُ قَامَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنِهِ وَجَبَ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيمَا أَخَذُوهُ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَقَّ لَهُ فِيمَا مَضَى بِالْقِسْمَةِ وَيَكُونُ حَقُّهُ بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ عَلَى مَا يَحْدُثُ لَهُ مِنْ مَالٍ قَالَ، لِأَنَّ قِسْمَةَ الْحَاكِمِ مَالَ الْمُفْلِسِ حُكْمٌ مِنْهُ نَفَذَ عَنِ اجْتِهَادٍ فَلَمْ يَجُزْ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادٍ. وَالدَّلَالَةُ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ أَنَّ حَجْرَ الْمُفْلِسِ إنما وقع لجميع غرمائه وقسم بالله إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِقَدْرِ دُيُونِهِ كَمَا أَنَّ مَالَ الْمَيِّتِ مُنْتَقِلٌ إِلَى جَمِيعِ وَرَثَتِهِ وَمَقْسُومٌ بِقَدْرِ فَرَائِضِهِمْ مِنْ تَرِكَتِهُ فَلَوْ كَانَ قَسْمُ الْحَاكِمِ مَالَ الْمَيِّتِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ ثُمَّ حَضَرَ وَارِثٌ كَانَ غَائِبًا نَقَضَ الْقِسْمَةَ وَاسْتَأْنَفَهَا بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَجَبَ إِذَا قَسَّمَ مَالَ الْمُفْلِسِ بَيْنَ غُرَمَائِهِ ثُمَّ حَضَرَ غَرِيمٌ كَانَ غَائِبًا أَنْ ينقص الْقِسْمَةَ وَيَسْتَأْنِفَهَا بَيْنَ جَمِيعِهِمْ لِأَنَّهُ فِي الْحَالَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ إِذَا أَمْضَى الْحُكْمَ بِاجْتِهَادٍ خَالَفَ فِيهِ نَصًّا كَانَ حُكْمُهُ بِالِاجْتِهَادِ مَنْقُوضًا، وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ قَدِ اسْتَحَقُّوا دُيُونَهُمْ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ إذا كان حيا كما استحق دُيُونَهُمْ مِنْ تَرِكَتِهِ إِذَا كَانَ مَيِّتًا فَلَمَّا كَانَ لَوْ قَسَّمَ تَرِكَةَ الْمُفْلِسِ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ مَنْ عَلِمَ مِنْ غُرَمَائِهِ ثُمَّ حَضَرَ قسم كان غائبا نقص تِلْكَ الْقِسْمَةَ وَشَارَكَهُمُ الْغَائِبُ بِقَدْرِ دَيْنِهِ وَجَبَ إِذَا قَسَّمَ مَالَ الْحَيِّ ثُمَّ حَضَرَ غَائِبٌ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فَلَا يَسْقُطُ بِالْقِسْمَةِ حَقُّهُ مَعَهُمْ، وَلِأَنَّ الْغُرَمَاءَ شُرَكَاءُ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ كَالشُّرَكَاءِ فِي الرَّهْنِ ثُمَّ كَانَ الرَّهْنُ لَوْ قَسَّمَ ثَمَنَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مُرْتَهِنِهِ فَمَنْ حَضَرَ لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ حَقُّ مَنْ غَابَ وَشَارَكَهُمْ فِيهِ إِذَا حَضَرَ فَكَذَلِكَ الْغُرَمَاءُ إِذَا اقْتَسَمُوا مَالَ الْمُفْلِسِ ثُمَّ حَضَرَ غَائِبٌ وَجَبَ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهِ فَأَمَّا اسْتِدْلَالُ مَالِكٍ بِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنَ الْحَاكِمِ نَفَذَ بِاجْتِهَادٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْقَضَ بِاجْتِهَادٍ. فَهُوَ أَنَّنَا نَقَضْنَاهُ بِنَصٍّ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْغَائِبِ بِحُضُورِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>