للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَاقِلًا أَوْلَى بِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّ الْيَتِيمَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَنِكَاحِهِ فَلَمَّا انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْ نِكَاحِهِ إِذَا بَلَغَ عَاقِلًا. وَجَبَ أَنْ يُفَكَّ الْحَجْرُ عَنْ مَالِهِ إِذَا بَلَغَ عَاقِلًا.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ: قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] فَأَمَرَ بِدَفْعِ أموالهم إليهم بشرطين: البلوغ والرشد.

فلم يجز أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِمْ بِوُجُودِ الْبُلُوغِ دُونَ الرُّشْدِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِمْ بِوُجُودِ الرشد دون البلوغ فمن لَمْ يَكُنْ مُصْلِحًا فِي دِينِهِ لَا يَنْطَلِقُ اسْمُ الرُّشْدِ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالرُّشْدُ هُوَ الْعَقْلُ كَانَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أن الرشد عرفا مستعملا فِي صَلَاحِ الدِّينِ وَالْمَالِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعَقْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْضَ شَرَائِطِ الرُّشْدِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَمَرَ بِاخْتِبَارِهِ قَبْلَ الرُّشْدِ وَمَنْ لَا عَقْلَ لَهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى اخْتِبَارٍ لِظُهُورِ أَمْرِهِ فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ يَشْتَبِهُ أَمْرُهُ لِيَحْتَاجَ إِلَى اخْتِبَارٍ أَوْلَى وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " اقْبِضُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ ".

وَالْعَادِمُ لِلرُّشْدِ سَفِيهٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا عَلَى يَدِهِ مَمْنُوعًا مِنْ تَصَرُّفِهِ فِي مَالِهِ وَلِأَنَّهُ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ فَوَجَبَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ مَالِهِ كَالْمَجْنُونِ أَوِ الْمُبَذِّرِ قَبْلَ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ. وَلِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ مَالِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ تَصَرُّفُهُ كَالصَّغِيرِ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ مَا نُدِبَ إِلَيْهِ مِنْ صَلَاحَيْ رُشْدِهِ وَهُمَا صَلَاحُ نَفْسِهِ بِالدِّينِ وَصَلَاحُ مَالِهِ بِالْقَصْدِ فَلَمَّا كَانَ صَلَاحُ مَالِهِ بِالْبُلُوغِ مُعْتَبَرًا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ صَلَاحُ نَفْسِهِ مُعْتَبَرًا. فَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ جَعَلْنَاهَا دَلِيلًا لَنَا وَمَا حَمَلُوهَا عَلَيْهِ مِمَّا انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ رُشْدٍ. " مَا " غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ رُشْدٌ وَدَفْعُ الْأَذَى مِنَ الطَّرِيقِ رُشْدٌ. وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَحَقُّ بِهِ فَكُّ الْحَجْرِ.

وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرُوا لَا يَكُونُ رُشْدًا مُطْلَقًا وَالسَّفِيهُ لَيْسَ بِرَشِيدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: ٥] .

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّشِيدِ فَالْمَعْنَى فِيهِ الْإِصْلَاحُ فِي الدِّينِ وَالْمَالِ.

وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ النِّكَاحِ " وَالْمَالِ " فَهُمَا سَوَاءٌ مَتَى لَمْ يَنْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْ مَالِهِ لَمْ يَنْفَكَّ عَنْ نِكَاحِهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ رَشِيدٌ فِي دِينِ نَفْسِهِ، لِأَنَّ الرُّشْدَ هُوَ أَنْ يَنْتَهِيَ عَمَّا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ وَيَفْعَلَ مَا يَعْتَقِدُ حُسْنَهُ وَوُجُوبَهُ، وَلَا اعْتِبَارَ فِي رُشْدِهِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ الْغَيْرُ مِنْ قُبْحٍ وَحَظَرٍ فَكَانَ اسْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>