للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الماوردي: وصورتها ما شرحه الشافعي فِي " الْأُمِّ " أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلَانِ الصُّلْحَ وَيَكْرَهَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ عَنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُؤَدِّي إِلَى الْمُدَّعِي مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَيَكُونَ صَحِيحًا وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى حَقًّا فِي الذِّمَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ عَيْنًا قَائِمَةً.

فَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى حَقًّا فِي الذِّمَّةِ جَازَ أَنْ يُصَالِحَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ عَنْهُ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ.

لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ إِنَّمَا يُوجِبُ إِسْقَاطَ الدَّيْنِ وَالْبَرَاءَ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى إِذْنِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَضَى الدَّيْنُ عنه بغير إذنه صَحَّ فَكَذَلِكَ إِذَا صَالَحَ عَنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ صَحَّ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ شَرْطِ هَذَا الصُّلْحِ أَنْ يُقِرَّ عَنْهُ الْأَجْنَبِيُّ بِالْحَقِّ فَيَقُولُ حَقُّكَ ثَابِتٌ عَلَى فُلَانٍ فَصَالِحْنِي عَنْهُ.

وَهَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ أَقَرَّ عِنْدِي بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ حَقُّكَ ثَابِتٌ عَلَى فُلَانٍ وَقَدْ أَقَرَّ عِنْدِي بِهِ لِيَصِحَّ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِثُبُوتِ الْحَقِّ عَلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ بِذَلِكَ عَنْ إِقْرَارِهِ تَارَةً وَبِغَيْرِ إِقْرَارِهِ أُخْرَى. فَإِذَا أَقَرَّ فَصَالَحَ عَنْهُ صَحَّ الصُّلْحُ وَلَزِمَ الْمُصْلِحَ عَنْ غَيْرِهِ دَفْعُ مَا اتَّفَقَا عَلَى الصُّلْحِ بِهِ وَبَرِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُصَالِحِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا صَالَحَ بِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِالْغُرْمِ عَنْهُ كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ. فَأَمَّا إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الصُّلْحِ عَنْهُ دُونَ الْأَدَاءِ فَيَقُولُ صَالِحْ عَنِّي فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَدَّاهُ فِي الصُّلْحِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَصَارَ مُتَطَوِّعًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ فَيُنْظَرُ فِي إِذْنِهِ بِالْأَدَاءِ فَإِنْ قَالَ لَهُ صالح وأدى لِتَرْجِعَ عَلَيَّ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ أَدِّ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ فَفِي رُجُوعِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِإِذْنِهِ فِيهِ.

وَالثَّانِي: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْأَدَاءِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَعْنَى التَّطَوُّعِ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>