للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَمَّا إِذَا رَهَنَهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى الرَّهْنَ مَجْرَى الْبَيْعِ فَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْنِ: -

وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْمَنْفَعَةِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَاطِلًا قَوْلًا وَاحِدًا فَأَمَّا إِذَا وَهَبَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ كَالْبَيْعِ سَوَاءٌ.

(مَسْأَلَةٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ جَازَ مِنَ الصُّلْحِ بِقَدْرِ مَا اسْتُخْدِمَ وَبَطَلَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ الَّذِي صَالَحَهُ عَلَى الدَّارِ بِخِدْمَتِهِ سَنَةً لَمْ يَخْلُ حَالُ مَوْتِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَمُوتَ فِي الْحَالِ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا فَالصُّلْحُ قَدْ بَطَلَ لِتَلَفِ الْعِوَضِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ كَتَلَفِ الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلِلْمُصَالَحِ أَنْ يَرْجِعَ بِالدَّارِ كَمَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ كُلِّهَا فَالصُّلْحُ قَدْ تَمَّ وَحُكْمُهُ قَدِ انْبَرَمَ وَمَوْتُ الْعَبْدِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهِ لِاسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ.

والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ مُضِيِّ بَعْضِ الْمُدَّةِ وبقاء بعضهما فَالصُّلْحُ قَدْ بَطَلَ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ لِفَوَاتِ قَبْضِهِ بِالْمَوْتِ، وَأَمَّا فِيمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ الْمُسْتَوْفَاةِ فَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي الْفَسَادِ فِي بَعْضِ الصَّفْقَةِ إِذَا طَرَأَ بَعْدَ الْعَقْدِ هَلْ يَجْرِي مَجْرَى الْفَسَادِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ.

فَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْفَسَادِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ، فَجَعَلَ بُطْلَانَ الصُّلْحِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

أَحَدُهُمَا: قَدْ بَطَلَ الصُّلْحُ فِيمَا بَقِيَ وَوَجَبَ عَلَى الْمُصَالَحِ أُجْرَةُ مَا اسْتَخْدَمَ فِيمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ وَلَهُ اسْتِرْجَاعُ الدَّارِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَبْطُلُ لَكِنْ يَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْمَقَامِ فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِالدَّارِ وَغُرِّمَ أُجْرَةَ مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ أَقَامَ فَعَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُقِيمُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ الصُّلْحِ.

وَالثَّانِي: بِحِسَابِهِ وَقِسْطِهِ.

وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا إِنَّ الْفَسَادَ الْحَادِثَ بَعْدَ الْعَقْدِ مُخَالِفٌ لِلْفَسَادِ الْمُقَارِنِ لِلْعَقْدِ لِسَلَامَةِ الصَّفْقَةِ عِنْدَ عَقْدِهَا. فَيَكُونُ الصُّلْحُ فِيمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ جَائِزًا قَوْلًا وَاحِدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>