للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ الْفَرْضِ عَنْ إِيصَالِهِ إِلَى مَا لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ، قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا كَانَ عَادِمًا لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ، وَلِأَنَّ تَطْهِيرَ بَعْضِ أَعْضَائِهِ بِالْمَاءِ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الطُّهْرِ عَمَّا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ الْمَاءُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ كَانَ صَحِيحَ الْأَعْضَاءِ، وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَمْ يُعْفَ فِيهَا إِلَّا عَنْ قَدْرِ مَا دَعَتْ إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَصْلٌ، والكلام فيه مع أبو حنيفة أَوْضَحُ وَهُوَ الْوَاجِدُ لِبَعْضِ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ مَعَهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِالْأَغْلَبِ، فَهُوَ أَنَّهُ أَصْلٌ لا يعتبر في الطهارت، أَلَا تَرَى لَوْ غَسَلَ أَكْثَرَ جَسَدِهِ مِنْ جنابة أو أكثر أعضاء وضوءه مِنْ حَدَثِهِ لَمْ يُجْزِهِ تَغْلِيبًا لِلْأَكْثَرِ، فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، فَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلُ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ الْمَاءُ فَلَمْ يَجُزْ جَمْعًا فِي مَحَلٍّ بَيْنَ بَدَلٍ وَمُبْدَلٍ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -.

(فَصْلٌ: كَيْفِيَّةُ تَيَمُّمِ مَنْ بِبَعْضِ جَسَدِهِ قُرْحٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَبْدَأَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوَّلًا فِيمَا صَحَّ مِنْ بَدَنِهِ إِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ فِيمَا صَحَّ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إِنْ كَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ فِي وَجْهِهِ وَذِرَاعَيْهِ بَدَلًا مِنَ الْقَرِيحِ فِي أَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ، فَلَوْ كَانَ الْقَرِيحُ مِنْ أَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ وَكَانَ يَخَافُ أَنْ يُوصِلَ التُّرَابَ إِلَى أَفْوَاهِ قُرُوحِهِ أَمَرَّ التُّرَابَ عَلَى مَا لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ، فَلَوْ كَانَ مُحْدِثًا وَوَجْهُهُ وَذِرَاعَاهُ صَحِيحَانِ وَرَأْسُهُ وَرِجْلَاهُ قَرِيحَيْنِ غَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ بَدَلًا مِنْ رَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ فَلَوْ قَدَّمَ هَذَا الْقَرِيحُ التَّيَمُّمَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ جَازَ، وَكَانَ عَادِلًا عَنِ الْأَوْلَى بِخِلَافِ الْوَاجِدِ لِبَعْضِ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَيَمُّمَ الْقَرِيحِ لِعَجْزِ الْمَرَضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَتَيَمُّمَ الْوَاجِدِ لِبَعْضِ مَا يَكْفِيهِ، إِنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْمَاءِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ قَبْلَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَإِذَا فَرَغَ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَعْضَائِهِ، وَالتَّيَمُّمِ بَدَلًا مِنْ قَرِيحِ أَعْضَائِهِ صَلَّى بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ الْفَرِيضَةَ، وَمَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ ولا يصلي فرضة ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الضَّرُورَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بِهَا بَيْنَ فَرْضَيْنِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَطَهَّرَ لِلْفَرِيضَةِ الثَّانِيَةِ أَعَادَ التَّيَمُّمَ وَحْدَهُ وَلَمْ يُعِدِ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ مَا لَمْ يُحْدِثْ؛ لِأَنَّ مَا اسْتَعْمَلَهُ مِنَ الْمَاءِ تَطْهِيرٌ لِجَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُعِيدَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَالتَّيَمُّمُ تَطْهِيرٌ لِفَرْضٍ وَاحِدٍ فَلَزِمَهُ إِعَادَتُهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَحْدَثَ أَعَادَ الطَّهَارَتَيْنِ مَعًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُبًا وَالْمَاءُ مُسْتَعْمَلٌ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ حَدَثِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إِعَادَةُ غَسْلِهِ بِالْحَدَثِ الطَّارِئِ؛ لِأَنَّ طُهْرَ الْجَنَابَةِ لَا يَنْتَقِضُ بالحدث الأصغر.

<<  <  ج: ص:  >  >>