للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قَضَى بِمِثْلِ ذَلِكَ لِلْزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَلَى بَعْضِ الْأَنْصَارِ حَتَّى قَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنْ كَانَ ابن عمتك فتعمر وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ: " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شجر بينهم ". فَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ وَالْأَثَرُ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا لِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنِ الْجَارِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ يُزَالُ بِالْإِجْبَارِ.

وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتُحِقَّتِ الشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِهَا وَوَجَبَتِ الْقِسْمَةُ إِذَا دُعِيَ إِلَيْهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِيَنْتَفِيَ الْإِضْرَارُ مَعَهَا، كَانَ وُجُوبُ الْمُبَانَاةِ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ تَضَاعُفِ الضَّرَرِ أَوْلَى.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وبه قال أبي حنيفة أَنَّهُ لَا إِجْبَارَ فِي ذَلِكَ وَيُتْرَكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى أَنْ يَخْتَارَ الْبِنَاءَ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ".

وَلِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى عِمَارَةِ مِلْكِهِ، وَلَا عِمَارَةِ مِلْكِ غَيْرِهِ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى عِمَارَتِهِ فِي حَالِ الِاشْتِرَاكِ كَالزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ طَرْدًا وَكَنَفَقَةِ البهائم عكسا.

ولأنه لا يخلوا أَنْ يَكُونَ الْإِجْبَارُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، أَوْ لِمَصْلَحَةِ غَيْرِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى واحد منهما.

فأما الجواب عن قوله " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ " فَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ اسْتِعْمَالُهُ فِي نَفْيِ الضَّرَرِ عَنِ الطَّالِبِ بِإِدْخَالِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، بِأَوْلَى مِنْ نَفْيِهِ عَنِ الْمَطْلُوبِ بِإِدْخَالِهِ عَلَى الطَّالِبِ.

إِذْ لَيْسَ يُمْكِنُ نَفْيُهُ عَنْهُمَا، فَتَنَاوَبَ الْأَمْرَانِ فِيهِ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِظَاهِرِهِ.

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَهُوَ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِعُمُومِهَا وَلَعَلَّ إِجْرَاءَ الْمَالِ قَدْ كَانَ مُسْتَحَقًّا مِنْ قَبْلُ.

لِأَنَّ الإجماع لا يلزم أحد أَنْ يُجْرِيَ مَاءَ غَيْرِهِ عَلَى أَرْضِهِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ.

وَأَمَّا اسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ بِهَا، فَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَى الْغَيْرِ إِضْرَارٌ بِهَا. لِأَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ مَا قُدِّرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الْعِمَارَةِ وَالْمُبَانَاةِ.

وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَلَيْسَتْ غُرْمًا، وَإِنَّمَا هِيَ لِتَمْيِيزِ الْمِلْكَيْنِ وَإِقْرَارِ الْحَقَّيْنِ وَالْعِمَارَةُ غُرْمٌ مَحْضٌ فَافْتَرَقَا.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا بِإِجْبَارِهِ عَلَى الْعِمَارَةِ عَلَى قَوْلِهِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>