للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرَجَعَ بِحَقِّهِ عَلَى الْمُحِيلِ، وَهَلْ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا لِأَنَّهُ بِادِّعَاءِ الْحَوَالَةِ مُعْتَرِفٌ بِهَا لِلْمُحْتَالِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ بِحَقٍّ قَدِ اعْتَرَفَ بِهِ لِغَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْمُحْتَالِ عليه، لأن اعترافه به لِلْمُحْتَالِ مَشْرُوطٌ بِسُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ ذِمَّتِهِ فَلَمَّا لَمْ يَسْقُطْ مِنْ ذِمَّتِهِ كَانَ مَالُ الْحَوَالَةِ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُحْتَالُ قَدْ قَبَضَ الْحَوَالَةَ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً، أَوْ تَالِفَةً، فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، فَهِيَ فِي الْحُكْمِ عَلَى مِلْكِ الْمُحِيلِ، وَيُقَالُ لِلْمُحْتَالِ اسْتَوْفِ حَقَّكَ مِنْهَا، لِأَنَّ ادِّعَاءَ الْمُحِيلِ أَنَّهُ أَحَالَهُ بِهَا مِنْ حَقِّهِ إِذْنٌ مِنْهُ بِقَبْضِهَا مِنْ حَقِّهِ.

وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً كَانَ تَلَفُهَا مِنْ مَالِ الْمُحِيلِ، وَحَقُّ الْمُحْتَالِ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُحِيلِ، وَلَيْسَ لِلْمُحِيلِ أَنْ يَرْجِعَ بِالْحَوَالَةِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ دَفَعَهَا بِإِذْنِهِ.

وَإِذَا قِيلَ بِمَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ، إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُحِيلِ نُظِرَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ الْحَوَالَةَ فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا الْآنَ، وَلَا يَكُونُ إِنْكَارُهُ لَهَا مِنْ قَبْلُ بِمَانِعٍ لِقَبْضِهَا مِنْ بَعْدُ، وَيَصِيرُ كَالْمُبْتَدِئِ لَهَا بَعْدَ الْخِلَافِ.

وَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهَا فَقَدِ اسْتَقَرَّتْ وَبَرِئَ الْمُحِيلُ مِنْهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي يَدِهِ أَوْ تَالِفَةً.

(فَصْلٌ)

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ اخْتِلَافِ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ ضَمِنْتُ لَكَ مَالَكَ عَلَى فُلَانٍ، عَلَى أَنَّهُ بَرِئَ مِنْهُ، فَعَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ يَصِحُّ هَذَا، وَتَكُونُ حَوَالَةً بِلَفْظِ الضَّمَانِ، لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعَارَةٌ.

وَعَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَكُونُ ضَمَانًا بَاطِلًا اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ قَدْ أَحَلْتُكَ عَلَى زَيْدٍ، عَلَى أَنَّنِي ضَامِنٌ لِلْمَالِ حَتَّى تَقْبِضَهُ، فَعَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ يَكُونُ هَذَا ضَمَانًا بِلَفْظِ الْحَوَالَةِ، فَيَصِحُّ إِذَا قَبِلَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعَارَةٌ، وَعَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ تَكُونُ حَوَالَةً فَاسِدَةً اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ فَسَادِ الشرط.

[(مسألة)]

قال المزني: " وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَحَالَهُ الْمَطْلُوبُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>