للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَعِيبَ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْفِضَّةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَبْضًا مِنَ الْفِضَّةِ فَصَارَ بِقَبْضِهِ مُسْتَوْفِيًا فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي ادِّعَاءِ الرَّدِّ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُبْتَدِئًا لِإِثْبَاتِ حَقٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْمَعِيبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَبْضًا مِنَ الْفِضَّةِ فَكَانَ حَقُّهُ ثَابِتًا لَا يَسْقُطُ بِقَبْضِهِ، فَلَمْ يَصِرْ بِادِّعَاءِ الرَّدِّ مُبْتَدِئًا بِإِثْبَاتِ حَقٍّ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَهُمَا.

وَلَوْ صَدَّقَهُ الضَّامِنُ وَكَذَّبَهُ الدَّافِعُ، كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِبَدَلِهَا عَلَى الضَّامِنِ وَلِلضَّامِنِ هَاهُنَا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ دَفْعِ الْمُبْدَلِ إِلَّا بِاسْتِرْجَاعِ الرَّدِّ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا إِذَا صَدَّقَهُ، لِأَنَّ الضَّامِنَ مَعَ تَكْذِيبِ الدَّافِعِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ، فَكَانَ لَهُ اسْتِرْجَاعُ الرَّدِّ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى بَعْضِ حَقِّهِ فَهَذَا الْحُكْمُ فِيهِ إِذَا ضَمِنَ نَقْصَ الصِّفَةِ.

وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَضْمَنَ لَهُ نَقْصَ الْوَزْنِ، وَنَقْصَ الصِّفَةِ، فَيَصِيرَ ضَامِنًا لَهُمَا وَيَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ ضَمِنَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، فَيَجْتَمِعَ الْحُكْمَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَالْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ يَضْمَنَ لَهُ نَقْصَ الدَّرَاهِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ نَقْصَ الْوَزْنِ، أَوْ نَقْصَ الصِّفَةِ، فَيَكُونَ ضَامِنًا لِنَقْصِ الْوَزْنِ لَا يَخْتَلِفُ، وَهَلْ يَضْمَنُ نَقْصَ الصِّفَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ.

أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ لِإِطْلَاقِ النَّقْصِ عَلَى الْأَمْرَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ عُرْفَ النَّاسِ فِي مِثْلِهِ خَارِجٌ عَنْ نَقْصِ الْوَزْنِ دون الصفة.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ ضَمِنَ دَيْنَ مَيِّتٍ بَعْدَ مَا يَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُ لِمَنْ هُوَ فَالضَّمَانُ لَازِمٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ شَيْئًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَمْ يَسْقُطْ بِمَوْتِهِ سَوَاءٌ مَاتَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، وَيَصِحُّ ضَمَانُهُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ سَوَاءٌ تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وَقَالَ أبو حنيفة إِذَا مَاتَ مُعْسِرًا سَقَطَ عَنْهُ دَيْنُهُ وَلَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ عَنْهُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ فِي أَحَدِ مَحَلَّيْنِ إِمَّا فِي ذِمَّةٍ أَوْ عَيْنٍ وَالْمَيِّتُ لَا ذِمَّةَ لَهُ فَيَثْبُتُ الدَّيْنُ فِيهَا وَالْمُعْسِرُ لَيْسَ لَهُ عَيْنُ مَالٍ يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِهَا فَثَبَتَ أَنَّ دَيْنَ الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا سَاقِطٌ لِعَدَمِ مَحَلٍّ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَيْنَ الْمَيِّتِ لَا يَسْقُطُ بِإِعْسَارِهِ.

وَالثَّانِي: جَوَازُ ضَمَانِ دَيْنِهِ مَعَ إِعْسَارِهِ، فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْمَيِّتِ لَا يَسْقُطُ بِإِعْسَارِهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ وَلِأَنَّ مَنْ أُخِذَتْ دُيُونُهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِإِعْسَارِهِ كَالْحَيِّ، وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ الدَّيْنُ إِذَا كَانَ حَيًّا لَزِمَهُ إِذَا كَانَ مَيِّتًا كَالْمُوسِرِ، وَلِأَنَّ مَوْتَ الْمُعْسِرِ مُؤَثِّرٌ فِي تَأْخِيرِ الْحَقِّ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ثُبُوتِهِ كَإِعْسَارِ الْحَيِّ، لِأَنَّ بَرَاءَةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بَرَاءَةٌ لِلضَّامِنِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا لَوْ ضَمِنَ عَنْ رَجُلٍ مَالًا ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>