للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَدْ أَقَامَهُ فِيهِ مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَلْتَزِمُ ضَمَانَ مَا بِيَدِهِ فَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ الَّذِي هُوَ بِمَثَابَتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَكَالَةَ عَقْدُ إِرْفَاقٍ وَمَعُونَةٍ وَفِي تَعَلُّقِ الضَّمَانِ بِهَا مَا يَخْرُجُ عَنْ مَقْصُودِ الْإِرْفَاقِ وَالْمَعُونَةِ فِيهَا. وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْوَكَالَةُ بَعِوَضٍ أَوْ غَيْرِ عِوَضٍ فَكَانَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يَقُولُ: إِذَا كَانَتْ بَعِوَضٍ جَرَتْ مَجْرَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فَيَكُونُ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهَا إِذَا خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الْإِجَارَةِ فِي اللُّزُومِ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِهَا فِي الضَّمَانِ وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " وَالتَّوْكِيلُ مِنْ كُلِّ مُوَكِّلٍ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ تَخْرُجُ أَوْ لَا تَخْرُجُ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي الْخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا.

وَالثَّانِي: فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ فِيهَا.

فَأَمَّا الْخِلَافُ الْمُتَعَلِّقُ بِهَا فَتَقْدِيمُهُ أَوْلَى لِيَتَمَهَّدَ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ مَشْرُوحًا وَالْخِلَافُ فِيهَا فِي فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَرْأَةَ يَجُوزُ أَنْ تُوَكِّلَ في المخاصمة خضيرة كَانَتْ أَوْ بَرْزَةً وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ الخضرة الَّتِي لَا تَبْرُزُ أَنْ تُوَكِّلَ وَلَا يَجُوزُ لِلْبَرْزَةِ الَّتِي تَظْهَرُ لِلنَّاسِ أَنْ تُوَكِّلَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الرَّجُلَ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْمُخَاصَمَةِ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا مَعْذُورًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَعْذُورٍ.

وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ لِلْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ الْمَعْذُورِ أَنْ يُوَكِّلَ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ أَنْ يُوَكِّلَ.

وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة عليها لتقارب الخلاف بينهما يقول تَعَالَى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: ٤٨] وَمَنِ امْتَنَعَ عَنِ الْحُضُورِ بِالْوَكَالَةِ كَانَ مُعْرِضًا عَنِ الْإِجَابَةِ.

وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ فِي عَهْدِهِ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ آسِ بَيْنَ النَّاسِ فِي وَجْهِكَ وَعَدْلِكَ وَمَجْلِسِكَ وَفِي مُقَابَلَةِ الْخَصْمِ بِالْوَكِيلِ عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلِأَنَّ حُضُورَ الْخَصْمِ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمُدَّعِي بِدَلَالَةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مُلَازَمَةٍ لِلْخُصُومَةِ وَمَنْعِهِ مِنَ اشْتِغَالِهِ وَفِي امْتِنَاعِهِ عَنِ الْحُضُورِ بِالتَّوْكِيلِ إِسْقَاطٌ لِحَقِّ الْمُدَّعِي مِنَ الْحُضُورِ وَلِأَنَّ جَوَابَ الدَّعْوَى مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ الْجَوَابُ تَارَةً إِقْرَارًا وتارة

<<  <  ج: ص:  >  >>