للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنْكَارًا وَالْوَكِيلُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْإِنْكَارِ دُونَ الْإِقْرَارِ. فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْطُلَ بِالتَّوْكِيلِ حَقُّهُ فِي أَحَدِ الْجَوَابَيْنِ وَمَا قَدْ يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْيَمِينِ الَّتِي لَا يَنُوبُ الْوَكِيلُ عَنْهُ فِيهَا وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ فَرْعٌ لِمُوَكِّلِهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ هِيَ فَرْعٌ عَلَى شُهُودِ الْأَصْلِ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْمَعَ شُهُودَ الْفَرْعِ إِلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ شُهُودِ الْأَصْلِ وَجَبَ أَلَّا يَقْتَنِعَ بِالْوَكِيلِ إِلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْمُوَكِّلِ. وَلِأَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنْ مُوَكِّلِهِ كَالْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ عَلَى الْيَتِيمِ فَلَمَّا ثَبَتَتِ الْوَلَايَةُ لِعَجْزِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ تَصِحَّ الْوَكَالَةُ لِعَجْزِ الْمُوَكِّلِ.

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ سَمِعَ دَعْوَى حُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ أَنَّهُمْ قَتَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ نِيَابَةً عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ وَوَلِيُّهُ كَانَ حَاضِرًا فَمَا أَنْكَرَ دَعْوَاهُمْ لَهُ مَعَ حضوره فلو كانت وَكَالَةُ الْحَاضِرِ غَيْرَ جَائِزَةٍ لِأَنْكَرَهَا حَتَّى يَبْتَدِئَ الْوَلِيُّ بِهَا أَلَا تَرَاهُ أَنْكَرَ عَلَى مُحَيِّصَةَ حِينَ ابْتَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبِلَ حُوَيِّصَةَ وَقَالَ لَهُ كَبِّرْ كَبِّرْ وَلَيْسَ تَقْدِيمُ الْأَكْبَرِ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَدَبٌ فَكَيْفَ يَكُفُّ عَنْ إِنْكَارِ مَا هُوَ وَاجِبٌ؟

وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكَّلَ عَقِيلًا أَخَاهُ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَعَلَّهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَلِيٌّ كَانَ حَاضِرًا وَوَكَّلَ أَيْضًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ حِينَ أَسَنَّ عَقِيلٌ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَكَانَ عَلِيٌّ حَاضِرًا فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ إِجْمَاعًا عَلَى وَكَالَةِ الْحَاضِرِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ إِذَا كَانَ غَائِبًا أَوْ مَرِيضًا صَحَّ تَوْكِيلُهُ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا صَحِيحًا كَالتَّوْكِيلِ فِي الْعُقُودِ وَاسْتِخْرَاجِ الدُّيُونِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ فِي الْعُقُودِ مَعَ الْغَيْبَةِ صَحَّ تَوْكِيلُهُ مَعَ الْحُضُورِ كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِمَرَضِ الْعَاقِدِ وَصِحَّتِهِ وَحُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَكَالَةِ إِنَّمَا هُوَ مَعُونَةُ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا أَوْ صِيَانَةُ مَنْ كَانَ مَهِيبًا وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ كَوُجُودِهِ فِي الْمَعْذُورِ.

فَأَمَّا جَوَابُهُ عَنِ الْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ وَكَّلَ عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُعْرِضًا عَنِ الْإِجَابَةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ دَعَا إِلَى الدَّيْنِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ التَّوْكِيلُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ عَمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَكَالَةَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ إِبْطَالُ التَّسَاوِي.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ حُضُورَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُدَّعِي فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ خَرَجَ مِنَ الدَّعْوَى بِغَيْرِ حُضُورٍ سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ ولو حضر من بغير

<<  <  ج: ص:  >  >>