للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَكَذَا لَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى مَا وَكَّلَ فِي الْمُطَالَبَةِ بِهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إِلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ أَوْ يَكُونَ إِبْرَاءً فَلَا يَصِحُّ وَلَمْ يَلْزَمْ إِقْرَارُ الْوَكِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا وَكَّلَهُ فِي الْإِقْرَارِ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْقَدْرَ الَّذِي يُقِرُّ بِهِ وَيَصِفُهُ، لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ إِقْرَارُهُ لَازِمًا لِلْمُوَكِّلِ. وَإِنْ ذَكَرَ قَدْرَهُ وَصِفَتَهُ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ إِقْرَارُ الْوَكِيلِ بِهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ مِنَ الْآمِرِ إِقْرَارًا كَمَا لَمْ يَجْعَلْ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا أَمْرًا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَعَلَهُ أَمْرًا مِنْ عُمَرَ وَلَا يَكُونُ الْمَأْمُورُ إِلَّا خَبَرًا فَلَمْ يَلْزَمْ إِلَّا بِشَهَادَةِ آخَرَ مَعَهُ إِذَا كَانَا عَدْلَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ وَيَلْزَمُ الْإِقْرَارُ بِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إِخْبَارٌ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ. فَلَمَّا صَحَّتِ الْوَكَالَةُ بِإِسْقَاطِ الْحَقِّ بِالْإِبْرَاءِ. كَانَ جَوَازُهَا فِي الْإِخْبَارِ بِسُقُوطِهِ أَوْلَى. وَلِأَنَّ فِعْلَ الْوَكِيلِ مَقْصُورٌ عَلَى إِذْنِ مُوَكِّلِهِ فَلَمَّا صَحَّ تَوْكِيلُهُ فِي الْإِنْكَارِ لِأَجْلِ إِذْنِهِ صَحَّ فِي الْإِقْرَارِ لِأَجْلِ إِذْنِهِ.

فَعَلَى هَذَا هَلْ يَلْزَمُ الْإِقْرَارُ بِمُجَرَّدِ الْوَكَالَةِ فِيهِ أَمْ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ بِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ الْإِقْرَارُ لَازِمًا بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِهِ سَوَاءٌ أَقَرَّ بِهِ الْمُوَكِّلُ أَمْ لَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إِخْبَارٌ وَأَمْرُهُ يَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِمَا وَكَّلَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ إِقْرَارًا لَازِمًا إِلَّا بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ بَعْدَ أَمْرِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْأَمْرِ بِالْإِقْرَارِ لا يكون إقرار حَتَّى يَتَعَقَّبَهُ الْإِقْرَارُ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِذَا وَكَّلَهُ فِي الْإِبْرَاءِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْمُبْرَأَ وَلَا الْقَدْرَ الَّذِي يَقَعُ مِنْهُ الْإِبْرَاءُ لَمْ يَصِحَّ التَّوْكِيلُ فِيهِ وَإِنْ ذَكَرَ الْمُبْرَأَ وَالْقَدْرَ الَّذِي يُبْرَأُ مِنْهُ وَصِفَتَهُ صَحَّتِ الْوَكَالَةُ فِيهِ، وَلَا يَقَعُ الْإِبْرَاءُ مِنْهُ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ بِهِ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْهُ الْوَكِيلُ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ إِسْقَاطٍ وَلَيْسَ بِإِخْبَارٍ كَالْإِقْرَارِ، فَلَوْ وَكَّلَهُ فِي إِبْرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ حَقِّ مُوَكِّلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَصِيرَ مُبْرِئًا لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ نَائِبًا لِنَفْسِهِ فِي دُيُونِ مُوَكِّلِهِ وَلِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يَقْتَضِي مبرئا ومبرأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>