للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلَوْ أَبْرَأَهُ الْمُوَكِّلُ مِنَ الضَّمَانِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَلَفِ الشَّيْءِ، فِي يَدِهِ وَتَعَلُّقِ الْغُرْمِ بِذِمَّتِهِ صَحَّتِ الْبَرَاءَةُ وَإِنْ كَانَ مَعَ بَقَاءِ الشَّيْءِ الْمَضْمُونِ فِي يَدِ الْوَكِيلِ فَفِي صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تَصِحُّ كَالْإِبْرَاءِ مِمَّا تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ - فَعَلَى هَذَا إِذَا ادَّعَى رَدَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ كَالْغَصْبِ لَا يَسْقُطُ ضَمَانُهُ بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ - فَعَلَى هَذَا إِنِ ادَّعَى رَدَّهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ صَاحِبُهُ لَهُ قَدْ طَلَبْتُهُ مِنْكَ فَمَنَعْتَنِي فَأَنْتَ ضَامِنٌ فَهُوَ مُدَّعٍ أَنَّ الْأَمَانَةَ تَحَوَّلَتْ مَضْمُونَةً وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا مَنَعَهُ مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ إِلَيْهِ حَتَّى هَلَكَ ثُمَّ اخْتَلَفَا. فَقَالَ الْوَكِيلُ: مَنَعْتُكَ مَعْذُورًا فَلَا ضَمَانَ عَلَيَّ. وَقَالَ الْمُوَكِّلُ: مَنَعَتْنِي غَيْرَ مَعْذُورٍ فَعَلَيْكَ الضَّمَانُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ، إِذَا كَانَ مَا قَالَهُ مُمْكِنًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِ أَمَانَتِهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْمُوَكِّلِ عَلَيْهِ فِي انْتِقَالِهِ عَنِ الْأَمَانَةِ إِلَى الضمان. وبالله التوفيق.

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِ مَتَاعِي وَقَبَضْتَهُ مِنِّي فَأَنْكَرَ ثُمَّ أَقَرَّ أَوْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْجُحُودِ مِنَ الْأَمَانَاتِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ مَتَاعِهِ وَأَقْبَضَهُ إِيَّاهُ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْوَكَالَةَ وَقَبْضَ الْمَتَاعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالْوَكَالَةِ وَقَبْضِ الْمَتَاعِ، صَارَ ضَامِنًا لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْجُحُودِ عَنِ الْأَمَانَةِ فَصَارَ كَجَاحِدِ الْوَدِيعَةِ، فَلَوِ ادَّعَى بَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ تَلَفَهَا أَوْ رَدَّهَا عَلَى مَالِكِهَا لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ، لِأَنَّ مَنْ ضَمِنَ مَالًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي ادِّعَاءِ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ. وَلِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِنْكَارِ الْأَوَّلِ مُكَذِّبًا لِهَذِهِ الدَّعْوَى مِنْهُ.

وَهَكَذَا لَوْ عَادَ بَعْدَ إِنْكَارِهِ فَأَقَرَّ بِقَبْضِ الْمَتَاعِ فَادَّعَى تَلَفَهُ أَوْ رَدَّهُ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ، وَكَانَ ضَامِنًا لَهُ لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِقَبْضِهِ، فَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِرَدِّهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ أَوْ بِتَلَفِ ذَلِكَ فِي يَدِهِ قَبْلَ جُحُودِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهَا بَيِّنَةٌ مَرْدُودَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ أَكْذَبَهَا بِسَابِقِ إِنْكَارِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيِّ وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ أَنَّ بَيِّنَتَهُ مَقْبُولَةٌ لِتَقَدُّمِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَى الْجُحُودِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ. وَالْوَجْهُ الأول أصح.

[(مسألة)]

قال المزني رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُكَ بِبَيْعِ مَتَاعِي فَبِعْتَهُ فَقَالَ مالك عندي

<<  <  ج: ص:  >  >>