للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَنِ ادَّعَى بَيْعَ عَبْدِهِ عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفٍ وَأَنْكَرَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالْبَيْعِ فَحُكِمَ لَهُ بِالثَّمَنِ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الْعَبْدِ أَلْفًا فَلَا غُرْمَ عَلَى الشُّهُودِ. وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ غُرِّمَ الشُّهُودُ بِرُجُوعِهِمْ قَدْرَ النَّقْصِ مِنْ ثَمَنِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِأَرْشِ الْعَيْبِ سَوَاءٌ كَانَ يَسْوَى قَدْرَ ثَمَنِهِ مَعِيبًا أَمْ لَا. لِأَنَّ الْعَيْبَ إِذَا كان معه الرد مقدرا بالأرش ولم يَكُنْ مُعْتَبَرًا بِنَقْصِ الثَّمَنِ. وَلَيْسَ كَالَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ رُجُوعِ الشُّهُودِ لِأَنَّ غَارِمَ الثَّمَنِ بِشَهَادَتِهِمْ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِمَا غَرِمَ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ مِنَ الثَّمَنِ لَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ يَغْرَمُهُ. فَهَذَا حُكْمُ التَّوْكِيلِ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ مَوْصُوفٍ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعِيبًا فَهَلْ لِلْوَكِيلِ عِنْدَ ظُهُورِ الْعَيْبِ أَنْ يَرُدَّهُ قَبْلَ اسْتِئْذَانِ مُوَكِّلِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا: لَا رَدَّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْذَانِ مُوَكِّلِهِ فِيهِ لِأَنَّهُ بِالتَّعْيِينِ فِيهِ قَدْ قَطَعَ اجْتِهَادَهُ فِيهِ وَلَعَلَّهُ قَدْ أَمَرَهُ بِشِرَائِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِعَيْبِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ. لَهُ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِأَنَّ الرَّدَّ من حقوق عقده ولأن لا يكون مأخوذا به إن لم يرضى الْمُوَكِّلُ بِعَيْبِهِ.

(فَصْلٌ)

فَأَمَّا الْوَكِيلُ فِي بَيْعِ عَبْدٍ إِذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ حُدُوثُ مِثْلِهِ فَرَدَّهُ عَلَى الْوَكِيلِ بِيَمِينِهِ إِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِعَيْبِهِ أَوْ بِتَصْدِيقِ الْوَكِيلِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِأَنَّهُ بِالْعَيْبِ الَّذِي كَانَ بِهِ مِنْ قَبْلِ بَيْعِهِ. وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يُمْكِنُ حُدُوثُ مِثْلِهِ. فَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا عَلَى تَقَدُّمِ عَيْبِهِ كَانَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. وَإِنْ رَدَّهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِتَصْدِيقِ الْوَكِيلِ عَلَى تَقَدُّمِ عَيْبِهِ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ. لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْوَكِيلِ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى مُوَكِّلِهِ. وَإِنْ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ عِنْدَ نُكُولِ الْوَكِيلِ فَهَلْ لِلْوَكِيلِ رَدُّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْيَمِينِ بَعْدَ النُّكُولِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ أَوِ الْإِقْرَارِ؟

(فَصْلٌ)

وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إِلَى وَكِيلِهِ دَرَاهِمَ لِيَدْفَعَهَا سِلْمًا فِي طَعَامٍ، وَأَسْلَمَهَا الْوَكِيلُ فِي طَعَامٍ ثُمَّ إِنَّ المسلم إليه رد من الدراهم ردية وَصَدَّقَهُ عَلَيْهَا الْوَكِيلُ فَأَكْذَبَهُ الْمُوَكِّلُ فَهِيَ لَازِمَةٌ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ. وَفِيهَا قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِبَدَلِهَا عَلَى الْوَكِيلِ وَيَكُونُ الطَّعَامُ فِي ذِمَّتِهِ لِلْمُوَكِّلِ. وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُشْتَرِي الدَّرَاهِمِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهَا إِذَا أَصَابَ بِهَا بَعْدَ الْقَبْضِ عَيْبًا إنَّهُ يُبَدِّلُهَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى الْوَكِيلِ. فَإِذَا أَدَّى الطَّعَامَ إِلَى الْمُوَكِّلِ رجع على الوكيل

<<  <  ج: ص:  >  >>