للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماوردي: وهذا صحيح إذا قال: له عَلَيَّ مَالٌ، فَهَذَا مِنَ الْمُجْمَلِ الْخَاصِّ، فَإِنْ لَمْ يَصِلْهُ بِصِفَةٍ زَائِدَةٍ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ، رَجَعَ فِي تَفْسِيرِهِ إِلَيْهِ، فَمَا فَسَّرَهُ مِنْ شَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ أَيِّ جِنْسٍ كَانَ مِنْ أَجْنَاسِ الْأَمْوَالِ قُبِلَ مِنْهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمُحَرَّمٍ لَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَجْهًا وَاحِدًا. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ تَفْسِيرِهِ كَانَ عَلَى قَوْلَيْنِ مَضَيَا.

فَأَمَّا إِذَا وَصَلَ إِقْرَارَهُ بِأَنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ مَالٌ كَثِيرٌ أَوْ مَالٌ عَظِيمٌ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى:

فَقَالَ أبو حنيفة: لَا نَقْبَلُ منه أقل من مئتي دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا وَهُوَ النِّصَابُ الْمُزَكَّى مِنَ الْأَثْمَانِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَقْبَلُ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، هُوَ النِّصَابُ الَّذِي تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ.

وَقَالَ اللَّيْث بْنُ سَعْدٍ أَقَلُّ مَا نَقْبَلُ مِنْهُ اثْنَانِ وسبعون درهماً.

وقال الشافعي: يرجع إِلَى تَفْسِيرِهِ فَمَا فَسَّرَهُ بِهِ مِنْ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ سَوَاءٌ كَانَ مَنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا.

وَاسْتَدَلَّ أبو حنيفة لِمَذْهَبِهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ يَحْلِفُ فِي الْمَقَامِ فَقَالَ لَهُ: أَفِي دَمٍ؟ قِيلَ: لَا، قَالَ: أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنَ الْمَالِ؟ قِيلَ: لَا، فَقَالَ: لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ.

فَحَمَلْتُمْ قَوْلَهُ أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنَ الْمَالِ على مئتي دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَلَزِمَكُمْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِقْرَارِ. قَالَ: وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْمُوَاسَاةِ مِنَ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرَهُمْ) {التوبة: ١٠٣) . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ مَالٍ كَثِيرٍ، ثُمَّ لَمْ تؤخذ الزكاة من أقل من مئتي دِرْهَمٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا لِخُرُوجِهِ مَنْ حُكْمِ اللَّفْظِ فَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ لِمَذْهَبِهِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: مَا كَانَتْ تقطع اليد في عبد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>