للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ أَقَلَّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَسَوَاءٌ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ أَوْ قَالَ لَهُ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ عَظِيمَةٌ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ إِنْ بَيَّنَهَا قُبِلَتْ مِنْهُ.

وَقَالَ أبو حنيفة لَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي إِقْرَارِهِ بِالدَّرَاهِمِ الْكَثِيرَةِ أَوِ الْعَظِيمَةِ أَقَلُّ مِنْ عَشَرَةٍ.

وَيُوشِكُ أَنْ يبينهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي أَقَلِّ الْمَهْرِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّنَا دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ صِفَةَ الشَّيْءِ بِالْكَثْرَةِ وَالْعِظَمِ لَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ قَدْرٍ مَحْدُودٍ لِمَا وَصَفْنَا مِنَ الِاحْتِمَالِ وَالتَّجْوِيزِ، وَأَنَّ الْإِقْرَارَ مَوْضُوعٌ عَلَى إِلْزَامِ الْيَقِينِ وَاطِّرَاحِ الشَّكِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَسَوَاءٌ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ عَظِيمَةٌ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دُرَيْهِمَاتٌ لَمْ يُقْبَلْ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ وَدَرَاهِمُ لَزِمَهُ فِي الْحُكْمِ سِتَّةُ دَرَاهِمَ فَهَذَا حُكْمُ الْإِقْرَارِ إِذَا صَرَّحَ بِالْعَدَدِ دُونَ الْعَدَدِ.

فَأَمَّا إِنْ صَرَّحَ بِالْعَدَدِ دُونَ الْمَعْدُودِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ إِلَى بَيَانِهِ فِيهَا، فَإِنْ بَيَّنَهَا مِنْ جِنْسٍ أَوْ أَجْنَاسٍ قُبِلَتْ.

وَقَالَ محمد بن الحسن لَا أَقْبَلُهَا مَعَ إِطْلَاقِ الْعَدَدِ إِلَّا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ.

وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْعُرْفَ فِي الْإِقْرَارِ يُطْرَحُ وَالْيَقِينُ مُعْتَبَرٌ، عَلَى أَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي الْأَعْدَادِ أَنْ يَتَنَاوَلَ جِنْسًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ قَدْ يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْأَجْنَاسِ كَمَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْجِنْسِ. فَلَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِالثَّلَاثَةِ فُلُوسًا قُبِلَ مِنْهُ سَوَاءٌ تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا أَمْ لَا وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَرَدْتُ بِالثَّلَاثَةِ دِرْهَمًا وَدِينَارًا وَفَلْسًا قُبِلَ مِنْهُ وَاللَّهُ أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ ألفٌ ودرهمٌ وَلَمْ يُسَمِّ الْأَلْفَ قِيلَ لَهُ أَعْطِهِ أَيَّ ألفٍ شِئْتَ فُلُوسًا أَوْ غَيْرَهَا وَاحْلِفْ أَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي أَقْرَرْتَ بِهَا هِيَ هَذِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بألفٍ وعبدٍ أَوْ أَلْفٍ ودارٍ لَمْ يجعل الألف الأول عَبِيدًا أَوْ دُورًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَأَحْوَالٌ ثَلَاثٌ، فَمِنْهَا حالتان متفق على حكمهما: -

إحداهما: أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٌ فَكُلُّ ذَلِكَ دَرَاهِمُ إِجْمَاعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ شَيْءٍ مِنْهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَسَّرَ الْأَلْفَ قَبْلَ الدِّرْهَمِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَلَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ إِجْمَاعًا لِإِبْهَامِهَا وَلَا يَكُونُ الدِّرْهَمُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهَا تَفْسِيرًا لَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>