للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الثَّالِثَةُ الْمُخْتَلَفُ فِيهَا: فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ. فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْأَلْفِ لِإِبْهَامِهَا وَلَا يَكُونُ الْعَطْفُ بِالدِّرْهَمِ تَفْسِيرًا لَهَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: يَصِيرُ الْأَلْفُ بِالدِّرْهَمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا دَرَاهِمَ كُلُّهَا وَلَا يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِهَا اسْتِدْلَالًا، بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَطْفِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ: رَأَيْنَا زَيْدًا وَعَمْرًا دَلَّ عَلَى رُؤْيَتِهِ لِعَمْرٍو لِعَطْفِهِ عَلَى زَيْدٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: لَهُ عليّ ألف ومئة درهم تفسيراً للألف بالمئة الْمَعْطُوفَةِ عَلَيْهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَلْفًا وَدِرْهَمٌ تَفْسِيرًا لِلْأَلْفِ بِالدِّرْهَمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَدَدٌ مُفَسِّرٌ مَعْطُوفٌ عَلَى عَدَدٍ مُبْهَمٍ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ الْعَطْفَ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَصْفًا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا، كَقَوْلِهِ: أَلْفٌ وَعَبْدٌ لَا يَكُونُ الْأَلْفُ كُلُّهَا عَبِيدًا وَلِأَنَّ الْعَطْفَ لَوْ كَانَ بَيَانًا لَاسْتَحَالَ أَنْ يُعَادَ مَعَهُ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ وَلَمَا جَازَ أَنْ يَقُولَ: مَرَرْتُ بِأَلْفِ رَجُلٍ وَصَبِيٍّ كَمَا لَا يصح أن يقول: مررت بألف رجل صبي، وَلَوَجَبَ إِذَا قَالَ: لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ، أَنْ يَلْزَمَهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَدِينَارٍ. لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَا يُوجِبُ نَعْتَ الْأَلْفِ بِالدَّنَانِيرِ.

وَفِي الْقَوْلِ بِخِلَافِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا قَالُوهُ فِي الْعَطْفِ، فَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حُكْمُ الْعَطْفِ اسْتِشْهَادًا بِقَوْلِهِمْ رَأَيْتُ زَيْدًا وَعَمْرًا فَخَطَأٌ. لِأَنَّ حُكْمَ الْعَطْفِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّ رُؤْيَةَ عَمْرٍو مَعْلُومَةٌ بِرُؤْيَةٍ زَيْدٍ، وَهُمْ جَعَلُوا حُكْمَ الْأَلْفِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا مَأْخُوذًا مِنَ الْعَطْفِ بَعْدَهَا وَهُمَا ضدان.

وأما قوله: له عليّ ألف ومئة دِرْهَمٍ فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لِلْأَلْفِ كَالدِّرْهَمِ فَعَلَى هَذَا سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرًا، فَعَلَى هَذَا، الْفَرْق بَيْنَهُمَا أَنَّ الدِّرْهَمَ الزَّائِدَ عَلَى الْأَلْفِ عَدَدٌ زَائِدٌ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَفْسِيرٌ لِلْعَدَدِ الأول، وهو إذا قال ألف ومئة فَقْدِ اسْتَكْمَلَ الْعَدَدَ ثُمَّ وَصَفَ ذَلِكَ بِالدِّرْهَمِ تَفْسِيرٌ بِالِاتِّفَاقِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَعْضِ الْعَدَدِ دُونَ بَعْضٍ وَصَارَ رَاجِعًا إِلَى جَمِيعِهِ فَافْتَرَقَا.

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ أَلْفٌ وَدِرْهَمٌ إِلَى تَفْسِيرِ الْأَلْفِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الدِّرْهَمِ فَإِنْ فَسَّرَهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ فُلُوسٍ أَوْ جَوْزٍ قُبِلَ مِنْهُ. وَكَذَا لَوْ فَسَّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>