للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَائِضَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ. فَلَوْ أَنَّ الْوَاجِدَ لِلْمَاءِ جُنُبٌ وَمُحْدِثٌ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي الْمُحْدِثَ، وَلَا يَكْفِي الْجُنُبَ فَالْمُحْدِثُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْمِيلَ طَهَارَتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي الْجُنُبَ وَلَا يَفْضُلُ مِنَ الْحَدَثِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجُنُبَ أَوْلَى بِهِ؛ لِأَنَّ حَدَثَهُ أَغْلَظُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَمْنُوعٌ مِنَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ يَكْفِي الْجُنُبَ وَيَفْضُلُ مِنَ الْمُحْدِثِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْجُنُبَ أَوْلَى لِغِلَظِ حَدَثِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُحْدِثَ أَوْلَى لِبَقَاءِ بَعْضِ الْمَاءِ بَعْدَ طَهَارَتِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ وَهَذَا الَّذِي وَصَفْنَا طَرِيقُهُ الْأَوْلَى، فَلَوْ تَغَلَّبَ أَحَدُ الْحَيَّيْنِ عَلَى الْمَاءِ فَاسْتَعْمَلَهُ دُونَ الْمَيِّتِ، أَوْ غَلَبَ مَنْ لَيْسَ بِأَوْلَى عَلَى مَنْ هُوَ أَوْلَى كَانَ مُسِيئًا وَطَهَارَتُهُ مُجْزِئَةٌ.

(فَصْلٌ: لَوْ كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ فمن أحق به؟)

فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ، كَانَ مَالِكُ الْمَاءِ أَحَقَّهُمْ بِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجُودُوا بِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اخْتُصَّ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ وَهَبَهُ لِغَيْرِهِ كَانَ عَلَى مَا مَضَى فِيمَنْ وَهَبَ مَا لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ وَجَبَ عَلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ أَنْ يَغْسِلَهُ بِهِ، فَإِنِ احْتَاجَ الْحَيَّانِ إِلَى شُرْبِهِ وَخَافَا الْعَطَشَ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا مَاءَ الْمَيِّتِ فَيَشْرَبَاهُ وَيُؤَدِّيَا ثَمَنَهُ فِي مِيرَاثِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَ لَهُمَا مُغَالَبَةُ الْحَيِّ عَلَى مَائِهِ، عِنْدَ خَوْفِ الْعَطَشِ كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ لِحِرَاسَةِ أَنْفُسِهِمَا، وَعَلَيْهِمَا ثَمَنُ ذَلِكَ وَقْتَ أَخْذِهِ مِنَ الْمَيِّتِ، لَا فِي غَالِبِ أَحْوَالِ السَّلَامَةِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ اعْتِبَارِ الثَّمَنِ فِي شِرَاءِ الْمَاءِ، لِأَنَّ الَّذِي يَلْزَمُهُمَا فِيهِ قِيمَتُهُ مُتْلَفٌ، فَاعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ بِوَقْتِ الْإِتْلَافِ فَلَوْ لَمْ يَحْتَاجَا إِلَى شُرْبِهِ وَغَسَّلَا بِهِ الْمَيِّتَ وَبَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ غُسْلِهِ بَقِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجُزْ مُغَالَبَةُ الْحَيِّ عَلَى فَضْلِ مَائِهِ؛ لِأَجْلِ الطَّهَارَةِ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ مَا بَقِيَ مِنْ مَاءِ الْمَيِّتِ لِأَجْلِ الطَّهَارَةِ، فَلَوْ كَانَ مَاءُ الْمَيِّتِ لَا يَكْفِيهِ لِغَسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يَغْتَسِلُ بِهِ فِي بَعْضِ بَدَنِهِ ثُمَّ يُوَمَّمُ لِمَا بَقِيَ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: يَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى التَّيَمُّمِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ أَحَدَ الْحَيَّيْنِ غَسَّلَ بِهِ الْمَيِّتَ كَانَ ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ، فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَهْلَكَ مِنْ مَالِهِ مَا لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>