للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِبَدَنِهِ فَإِقْرَارُهُ بِقَتْلٍ يُوجِبُ قَوَدًا أَوْ زِنًا يُوجِبُ حَدًّا أَوْ قَذْفًا يُوجِبُ جَلْدًا وَذَلِكَ مَقْبُولٌ مِنْهُ وَمَأْخُوذٌ بِهِ وَلَا اعْتِبَارَ بِتَكْذِيبِ سَيِّدِهِ، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ وزفر ومحمد بن الحسن وَدَاوُدُ: إِنَّ إِقْرَارَهُ بِتَكْذِيبِ السَّيِّدِ مَرْدُودٌ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ بَدَنَهُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ فَكَانَ إِقْرَارُهُ فِي بَدَنِهِ إِقْرَارًا فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلِأَنَّهُ مَتْهُومٌ فِي إِقْرَارِهِ إِضْرَارًا بِسَيِّدِهِ فَكَانَ مَرْدُودًا كَإِقْرَارِهِ بِالْمَالِ وَهَذَا خَطَأٌ، وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ أَتَى مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ حَدَّ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ مُبْدٍ لِصَفْحَتِهِ مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ، وَلِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَى بَدَنِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ إِقْرَارُهُ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَلِأَنَّ مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِقْرَارُ السَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ يُقْبَلُ فِيهِ إِقْرَارُ الْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ كَالرِّدَّةِ طَرْدًا وَالْمَالِ عَكْسًا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِإِقْرَارِهِ فِي مِلْكِ سَيِّدِهِ فَهُوَ أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ مِنْهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ إِقْرَارَهُ فِيهِ لَا يَنْفُذُ وَلَوْ مَلَكَهُ لَنَفَذَ إِقْرَارُهُ فِيهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالتُّهْمَةِ فَهُوَ أَنَّ التُّهْمَةَ مُنْتَفِيَةٌ عَنِ الْعَاقِلِ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ إِضْرَارًا بِغَيْرِهِ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقُ بِالْمَالِ فَضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مُدَايَنَةُ مُرَاضَاةٍ.

وَالثَّانِي: جِنَايَةُ إِكْرَاهٍ.

فَأَمَّا مُدَايِنَةَ الْمُرَاضَاةِ فَهُوَ كُلُّ حَقٍّ لَزِمَ بِاخْتِيَارِ مُسْتَحِقِّهِ وَمُعَامَلَةٍ مُسْتَوْجَبَةٍ كَالْأَثْمَانِ وَالْقُرُوضِ وَالْأُجُورِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ. فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعَلَّقَ إِقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنْ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِمُوجِبِهَا، فَإِنْ ضَاقَ مَا بِيَدِهِ عَنْ دَيْنِهِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ كَانَ الْفَاضِلُ عَنْهُ فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ إِذَا عُتِقَ وَأَيْسَرَ بِهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ.

وَقَالَ أبو حنيفة يَكُونُ الْفَاضِلُ مِنْ دُيُونِ إِقْرَارِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ مُتَعَلِّقًا بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ إِذْنَ السَّيِّدِ مُوجِبٌ لِضَمَانِ دُيُونِهِ كَمَا يُوجِبُ إِذْنُهُ بِالنِّكَاحِ ضَمَانَ الصَّدَاقِ لِزَوْجَتِهِ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ كُلَّ حَقٍّ ثَبَتَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ كَانَ مَحَلُّهُ فِي الذِّمَّةِ دُونَ الرَّقَبَةِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حَقُّ الْجِنَايَةِ مِنَ الْمَأْذُونِ لَهُ وَغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي تَعَلُّقِهِ بِالرَّقَبَةِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ الْمُدَايَنَةِ مِنَ الْمَأْذُونِ لَهُ وَغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي تَعَلُّقِهِ بِالذِّمَّةِ فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالصَّدَاقِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَضْمَنُهُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ السُّؤَالُ سَاقِطًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>