للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ وَقَبَضْتَهَا ثُمَّ قَالَ لَمْ تَكُنْ قَبَضْتَهَا فَأُحْلِفَ أَحْلِفَتَهُ لقد قبضها فإن نكل رددت الْيَمِينُ عَلَى صَاحِبِهِ وَرَدَدْتُهَا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا تَتِمُّ الْهِبَةُ إِلَّا بِالْقَبْضِ عَنْ رِضَا الْوَاهِبِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مِمَّا قَدْ تَقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ اسْتِيفَاؤُهُ فِي الْإِقْرَارِ بِقَبْضِ الرَّاهِنِ. فَإِذَا أَقَرَّ مَالِكُ الدَّارِ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِهِبَتِهَا لِرَجُلٍ وَأَنَّهُ أَقْبَضَهُ إِيَّاهَا وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى قَبْضِهَا وَهِبَتِهَا ثُمَّ عَادَ الْوَاهِبُ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُقْبِضْهَا وَأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إِقْرَارِهِ سَهْوٌ أَوْ كَذِبٌ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَالدَّارُ الْمَوْهُوبَةُ عَلَى مِلْكِهِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ أَقْبَضَ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ فَإِنْ أَكْذَبَهُ وَادَّعَى الْقَبْضَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِقْرَارِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّ الْوَاهِبَ مُقِرٌّ بِالْقَبْضِ رَاجِعٌ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ إِقْرَارُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ فَإِنْ سَأَلَ الْوَاهِبُ إِحْلَافَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِاللَّهِ لَقَدْ قَبَضَهَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الْوَاهِبِ عِنْدَ إِقْرَارِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَقَرَّ بِإِقْبَاضِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ.

فَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ غَائِبَةً وَأَقَرَّ أَنَّ وَكِيلَهُ أُقْبِضَ أُجِيبَ إِلَى مَا سَأَلَ مِنْ إِحْلَافِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِاللَّهِ لَقَدْ قَبَضَ لِأَنَّهُ قَدْ يُخْبِرُهُ الْوَكِيلُ ثُمَّ يَعْلَمُ كَذِبَهُ أَوْ يُزَوَّرُ عَلَى الْوَكِيلِ كِتَابٌ مِنْهُ بِالْقَبْضِ ثُمَّ يُعْلَمُ تَزْوِيرُهُ فَإِنْ حَلَفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى الْقَبْضِ اسْتَقَرَّ لَهُ الْمِلْكُ وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْوَاهِبِ فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا كَانَتِ الدَّارُ عَلَى مِلْكِهِ.

وَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ حَاضِرَةً فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أُقْبِضَهَا بِنَفْسِهِ أَوْ غَائِبَةً فَأَقَرَّ بِإِقْبَاضِهَا بِنَفْسِهِ فَفِي إِجَابَتِهِ إِلَى إِحْلَافِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى قَبْضِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُجَابُ إِلَى إِحْلَافِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ نَكَلَ رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْوَاهِبِ وَالدَّارُ لَهُ لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ أَنْ يَكُونَ سَابِقَ الْإِقْرَارِ عَنِ اتِّفَاقٍ أَنْ يُعْقِبَهُ الْإِقْبَاضَ وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَفْعَلُهُ النَّاسُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّهُ لَا يُجَابُ إِلَى إِحْلَافِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ كَذَّبَ هَذِهِ الدَّعْوَى بِسَابِقِ إِقْرَارِهِ فَرُدَّتْ وَلَيْسَ لِتَخْرِيجِ الِاحْتِمَالِ وَجْهٌ إِلَّا عَلَى كَذِبٍ فِي إِحْدَى الْحَالَيْنِ فَكَانَ حَمْلُ الْإِقْرَارِ عَلَى الصِّدْقِ وَالدَّعْوَى عَلَى الْكَذِبِ أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا قَالَ الْوَاهِبُ: قَدْ وَهَبْتُ لَهُ هَذِهِ الدَّارَ وَخَرَجْتُ إِلَيْهِ مِنْهَا فَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ عِنْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ كَانَ قَوْلُهُ وَخَرَجْتُ إِلَيْهِ مِنْهَا مَحْمُولًا عَلَى الْإِقْبَاضِ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَاهُ وَقَدْ رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ نَصًّا فِي جامعه الكبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>