للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَحَدُ اللُّحْمَتَيْنِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ إِثْبَاتُهُ كَالْوَلَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِثْبَاتُ الْوَلَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِثْبَاتُ النَّسَبِ كَالْأَوْصِيَاءِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِإِقْرَارِهِمْ مِنْ خمسة أوجه:

أحدهما: مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: عَهِدَ إِلَيَّ أَخِي فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ أَنْ أَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ ابْنُهُ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ فَأَلْحَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْوَلَدَ بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ بِاعْتِرَافِ أَبِيهِ وَجَعَلَهُ أَخَاهُ. فَاعْتَرَضُوا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ قَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا جَعَلَهُ عَبْدًا لِعَبْدٍ وَلَمْ يَجْعَلْهُ أَخَاهُ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ لَكَ عَبْدُ. فَعَنْ هَذَا جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ مُسَدَّدًا رَوَى عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ قَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ وَوِلَادَتِهِ حُرًّا عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ فَلَمْ يَجُزْ بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِحُرِّيَّتِهِ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِرِقِّهِ.

وَمَا رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ هُوَ لَكَ عَبْدُ فَإِنَّمَا أشار إليه بالقول اختصاراً يحذف النِّدَاء كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوسُفُ أَعْرِضُ عَنْ هَذَا) {يوسف: ٢٩) . وَالِاعْتِرَاضُ الثَّانِي عَلَيْهِ.

أَنْ قَالُوا إِنَّمَا أَلْحَقَهُ بِالْفِرَاشِ لَا بِالْإِقْرَارِ وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ " وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ الْفِرَاشَ بِإِقْرَارِهِ وَإِقْرَارُهُ بِالْفِرَاشِ إِقْرَارٌ بِالنَّسَبِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ بِثُبُوتِ الْفِرَاشِ فَلَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْإِقْرَارِ بِالْفِرَاشِ الْمُوجِبِ لِثُبُوتِ النَّسَبِ وَبَيْنَ الْإِقْرَارِ بِالنَّسَبِ الدَّالِّ عَلَى ثُبُوتِ الْفِرَاشِ.

وَالِاعْتِرَاضُ الثَّالِثُ عَلَيْهِ:

أَنْ قَالُوا: لَا دَلِيلَ لَكُمْ فِيهِ لِأَنَّ عَبْدًا هُوَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ وَسَوْدَةُ زَوْجَةُ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُخْتُهُ وَلَمْ تَكُنْ مِنْهَا دَعْوَى لَهُ وَلَا إِقْرَارٌ بِهِ وَلَا دَعْوَى لَهُ. وَإِقْرَارُ أَحَدِ الْوَرَثَةِ لَا يُوجِبُ بِالْإِجْمَاعِ ثُبُوتَ النَّسَبِ. وَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَبْدًا هُوَ وَارِثُ أَبِيهِ وَحْدَهُ لِأَنَّ سَوْدَةَ كَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهَا وَكَانَ عَبْدٌ عَلَى كُفْرِهِ فَكَانَ هُوَ الْوَارِثَ لِأَبِيهِ الْكَافِرِ دُونَ أُخْتِهِ الْمُسْلِمَةِ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَسْلَمَتْ أُخْتِي سَوْدَةُ فَحَمَلْتُهَا وَلَيْتَنِي أَسْلَمْتُ يَوْمَ أَسْلَمَتْ.

وَالثَّانِي: أَنَّ سَوْدَةَ قَدْ كَانَتْ مُعْتَرِفَةً بِهِ وَاسْتَنَابَتْ أَخَاهَا فِي الدَّعْوَى لِأَنَّ النساء من

<<  <  ج: ص:  >  >>