للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَادَتِهِنَّ الِاسْتِنَابَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ فَلَوْلَا أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَرِفَةً بِهِ كَانَتْ مُقِيمَةً عَلَى الِاحْتِجَابِ الْأَوَّلِ.

وَالِاعْتِرَاضُ الرَّابِعُ عَلَيْهِ: أَنْ قَالُوا: أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِسَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ أُخْتًا لَهُ. وَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: لِقُوَّةِ الشَّبَهِ الذي رأى فيه من عتبة أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ إِمَّا كَرَاهَةُ أَنْ يَكُونَ فِي نَفْسِهَا نِزَاعٌ مِنْ قَضَائِهِ، وَإِمَّا اسْتِظْهَارٌ لِمَا تَتَخَوَّفُهُ بَاطِنًا مِنْ فَسَادٍ أَصَابَهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ لِلزَّوْجِ مَنْعَ زَوْجَتِهِ مِنَ الظُّهُورِ لِأَخِيهَا وَأَهْلِهَا فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَنْعِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِلَافِ النَّسَبِ.

وَالدَّلِيلُ الثَّانِي مِنَ الْمَسْأَلَةِ: مَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى أَنَّ كُلَّ مُسْتَلْحِقٍ اسْتُلْحِقَ بَعْدَ أَبِيهِ فَقَدْ لَحِقَ بِمَنِ اسْتَلْحَقَهُ. وَهَذَا نَصٌّ عَامٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ.

وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَ مُورِثَهُمْ فِي حُقُوقِهِ إِثْبَاتًا كَالْحُجَجِ وَالْبَيِّنَاتِ وَقَبْضًا كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ، وَالنَّسَبُ حَقٌّ لَهُ إِثْبَاتُهُ حَيًّا فَكَانَ لِلْوَرَثَةِ إِثْبَاتُهُ مَيِّتًا. وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا مَلَكَ الْمُوَرِّثُ إِثْبَاتَهُ مِنْ حُقُوقِهِ مَلَكَ الْوَرَثَةُ إِثْبَاتَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالدَّيْنِ وَالْقِصَاصِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَنْ مَلَكَ إِثْبَاتَ الْحُقُوقِ مَلَكَ إِثْبَاتَ الْأَنْسَابِ كَالْمَوْرُوثِ.

وَالدَّلِيلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالنَّسَبِ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمَانِ: ثُبُوتُهُ وَإِرْثُهُ.

فَلَمَّا اسْتَحَقَّ الْإِرْثَ بِإِقْرَارِهِمْ ثَبَتَ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِمْ وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ ثَبَتَ الْمِيرَاثُ بِإِقْرَارِهِ ثَبَتَ النَّسَبُ بِإِقْرَارِهِ كَالْمَوْرُوثِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَزِمَ مِنْ حُقُوقِ النَّسَبِ بِإِقْرَارِ الْمَوْرُوثِ لَزِمَ بِإِقْرَارِ الْوَارِثِ كَالْمِيرَاثِ.

وَالدَّلِيلُ الْخَامِسُ: أَنَّ إِقْرَارَ الْوَرَثَةِ بِالْحَقِّ أَقْوَى ثُبُوتًا مِنَ الشَّهَادَةِ بِالْحَقِّ فَلَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ بِالشَّهَادَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ وَيَتَحَرَّرُ مِنِ اعْتِلَالِهِ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا صَحَّ ثُبُوتُهُ بِالشَّهَادَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ ثُبُوتُهُ بِإِقْرَارِ الْوَرَثَةِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا صَحَّ أَنْ يَثْبُتَ بِالْحُقُوقِ صَحَّ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ الْأَنْسَابُ كَالشَّهَادَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا مُسَاعَاةَ فِي الْإِسْلَامِ فَوَارِدٌ بِاسْتِلْحَاقِ الْأَنْسَابِ بالزنى لِأَنَّ تَمَامَ الْخَبَرِ دَالٌّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا مُسَاعَاةَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَنْ سَاعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَدْ لَحِقَهُ بِعَصَبَتِهِ وَمَن ادعَى وَلَدًا مِنْ غَيْرِ رشْدة فَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْحَمِيلَ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَارِدٌ فِيمَنْ حُمِلَ نَسَبُهُ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ إِنْكَارِ وَرَثَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>