للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ رَافِعًا لِحُكْمِ مَا تَقَدَّمَ قَالُوا وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إِذَا ثَبَتَ لِعِلَّةٍ وَجَبَ أَنْ يَرْتَفِعَ بِزَوَالِهَا كَالْخَمْرِ يَحْرُمُ بِحُدُوثِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُهَا بِارْتِفَاعِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فَلَمَّا كَانَ التَّعَدِّي مُوجِبًا لِلضَّمَانِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ زَوَالُهَا بِالتَّعَدِّي مُوجِبًا لِسُقُوطِ الضَّمَانِ قَالُوا وَلِأَنَّهُ قَدْ يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ بِالتَّعَدِّي كَمَا يَضْمَنُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ بِالْإِمْسَاكِ فَلَمَّا سَقَطَ ضَمَانُ الصَّيْدِ بِالْإِرْسَالِ لِزَوَالِ مُوجِبِهِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ ضَمَانُ الْوَدِيعَةِ بِتَرْكِ التَّعَدِّي لِزَوَالِ مُوجِبِهِ. قَالُوا: وَلِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ يَنْتَقِلُ الْكَلَامُ إِلَيْهِمَا عِنْدَ النِّزَاعِ أَحَدُهُمَا أَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِ الْمُودِعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا أَوْدَعَ الْمَغْصُوبَ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُودَعِ ثُمَّ أُغْرِمَ الْقِيمَةَ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ تَلَفُهَا فِي غَيْرِ يَدِهِ لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيْدِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَوْدُ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ التَّعَدِّي إِلَى حِرْزِ الْمُودِعِ كَعَوْدِهَا إِلَى حِرْزِ الْمُودَعِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ.

وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي التَّعَدِّيَ فِيهِ زَوَالُ الْأَمْرِ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَكِيلَ فِي بَيْعِ عَبْدٍ أَوْ جَارِيَةٍ لَوْ شَجَّ أَوْ زَنَا بِالْجَارِيَةِ لَمْ يَنْعَزِلْ عَنِ الْوَكَالَةِ وَجَازَ بَيْعُهُ بَعْدَ التَّعَدِّي لِجَوَازِهِ مِنْ قَبْلُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ إِحْرَازُ الْوَدِيعَةِ بَعْدَ التَّعَدِّي كَإِحْرَازِهَا قَبْلُ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى بَقَاءِ الضَّمَانِ رِوَايَةُ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ " فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى عُمُومِهِ مُسْتَحِقًّا وَلِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي تَارَةً وَبِالْجُحُودِ أُخْرَى، فَلَمَّا كَانَ لَوْ ضَمِنَهَا بِالْجُحُودِ ثُمَّ اعْتَرَفَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ وَجَبَ إِذَا ضَمِنَهَا بِالتَّعَدِّي ثُمَّ كَفَّ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ الضَّمَانُ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّ مَا أَوْجَبَ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ لَمْ يَسْقُطْ بِزَوَالِهِ كَالْجُحُودِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَهَا بِالْمَنْعِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالْكَفِّ لِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ غَيْرُ مُتَصَرِّفٍ وَبِالتَّعَدِّي مُتَصَرِّفٌ وَيَتَحَرَّرُ مِنَ الْقِيَاسِ الْأَوَّلِ مِنْ طَرِيقِ الْأُولَى. وَلِأَنَّ الْأَمْوَالَ قَدْ تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي مَعَ الْإِيدَاعِ كَمَا تُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي مِنْ غَيْرِ إِيدَاعٍ ثُمَّ ثَبَتَ مِنْ أَخْذِ مَالِ رَجُلٍ مِنْ حِرْزِهِ بِغَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ فَضَمِنَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الضَّمَانُ بِرَدِّهِ إِلَى حِرْزِهِ فَوَجَبَ إِذَا ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ بِإِخْرَاجِهَا مِنَ الْحِرْزِ أَنْ لَا يَسْقُطَ عَنْهُ الضَّمَانُ بِرَدِّهَا إِلَى الْحِرْزِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّهُ مَالٌ وَجَبَ ضَمَانُهُ بِهَتْكِ الْحِرْزِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ ضَمَانُهُ بِعَوْدِهِ إِلَى الْحِرْزِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ وَلِأَنَّ الْأُصُولَ مُقَرَّرَةٌ عَلَى أَنَّ يَدَ الْإِنْسَانِ تُبَرِّئُهُ مِنْ ضَمَانٍ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِه أَلَا تَرَاهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ فَأَمَرَهُ الْمَالِكُ بِأَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُبَرِّئًا لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ. كَذَلِكَ ضَمَانُ الْوَدِيعَةِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِكَفِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْرَاءِ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " النَّدَمُ توبةٌ " فَهُوَ أَنَّ التَّوْبَةَ تَخْتَصُّ بِرَفْعِ الْآثَامِ دُونَ الْأَحْكَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>