للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَمِّكَ سَعَوْا عَلَى إِبِلِي فَاحْتَلَبُوا أَلْبَانَهَا وَأَكَلُوا فُصْلَانَهَا فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نُعْطِيكَ إِبِلًا مِثْلَ إِبِلِكَ وَفُصْلَانًا مِثْلَ فُصْلَانِكَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَقَدْ رَأَيْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَأَيًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْوَادِي الَّذِي جَنَى فِيهِ بَنُو عَمِّكَ فَقَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَعَمْ.

وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عبدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا فَأُوجِبُ قِيمَةَ الْحِصَّةِ وَلَمْ يُوجِبْ مِثْلَ تِلْكَ الْحِصَّةِ وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَجْزَاؤُهُ مَضْمُونَةً بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ حَتَّى مَنْ قَطَعَ يَدَ دَابَّةٍ لَمْ تُقْطَعْ يَدُ دَابَّتِهِ وَمَنْ خَرَقَ ثَوْبًا لَمْ يُخْرَقْ ثَوْبُهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ بِمَثَابَتِهِ وَلِأَنَّ مَا تَخَلَّفَ أَجْزَاؤُهُ يَتَعَذَّرُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ زَائِدًا يُظْلَمُ بِهِ الْغَاصِبُ أَوْ نَاقِصًا يُظْلَمُ بِهِ الْمَغْصُوبُ وَالْقِيمَةُ عَدْلٌ يُؤْمَنُ فِيهَا ظُلْمُ الْفَرِيقَيْنِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إِنَاءٌ مِثْلُ الْإِنَاءِ، وَطَعَامٌ مِثْلُ طَعَامٍ، فَهُوَ أَنَّ الْقِيمَةَ مِثْلٌ فِي الشَّرْعِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ) {المائدة: ٩٥) فَجَعَلَ قِيمَةَ الْجَزَاءِ مِنَ الطَّعَامِ مِثْلًا، وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى التَّفَضُّلِ مِنْهُ لِتَطَوُّعِهِ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْمِثْلِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأَثْمَانِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ فَقِيمَتُهُ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدَ فِيهِ أَكْثَرُ مَا كَانَ قِيمَةً مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إِلَى حِينِ التَّلَفِ فِي سُوقِهِ وَبَلَدِهِ فإن قيل لما لَمْ يَضْمَنْ نَقْصَ السُّوقِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَضَمِنَ نَقْصَ السُّوقِ مَعَ تَلَفِ الْعَيْنِ. قِيلَ لِأَنَّهُ قَدْ فَوَّتَ عَلَيْهِ زِيَادَةَ السُّوقِ مَعَ تَلَفِ الْعَيْنِ وَلَمْ يُفَوِّتْهَا عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مُبَاحَ الِاسْتِعْمَالِ كَالْحُلِيِّ فَفِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: تُضْمَنُ قِيمَتُهُ مَصُوغًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الذَّهَبِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَرِقًا، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْوَرِقِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ذَهَبًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَضْمَنَهُ بِمِثْلِ وَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وَبِأُجْرَةِ صِيَاغَتِهِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ مِائَةَ مِثْقَالٍ مِنْ ذَهَبٍ وَهُوَ مَصُوغٌ فَيَضْمَنُهُ بِمِائَةِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ وَبِأُجْرَةِ صِيَاغَتِهِ. وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ ذَهَبًا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ حَتَّى تَكُونَ وَرِقًا لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى الربا والتفاصل فِي الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الصِّيَاغَةِ وَالْعَمَلُ الَّذِي لَا يُدَاخِلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>