للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَمْ يَشْغَلْهَا أَوْ دَارًا فَسَكَنَهَا أَوْ أَكْرَاهَا أَوْ لَمْ يَسْكُنْهَا وَلَمْ يُكْرِهَا فَعَلَيْهِ كراءٌ مثل كراء ذلك من حي أخذه ثم يَرُدَّهُ وَلَيْسَ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ إِلَّا لِلْمَالِكِ الَّذِي قَضَى لَهُ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأدخل الشافعي رحمه الله على من قال إن الغاصب إذا ضمن سقط عنه الكراء قوله إذا اكترى قميصاً فائتزر به أو بيتاً فنصب فيه رحىً أنه ضامنٌ وعليه الكراء ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْأُجْرَةِ. سَوَاءٌ انْتَفَعَ أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ وَقَالَ أبو حنيفة لَا يَضْمَنُهَا وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ فِيهَا سَوَاءٌ انْتَفَعَ أَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ. وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُهَا بِالْأُجْرَةِ إِنِ انْتَفَعَ بِهَا وَلَا يَضْمَنُهَا إِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى سُقُوطِ الْأُجْرَةِ بِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ فَجَعَلَ الْخَرَاجَ وَالْغَلَّةَ لِمَنْ عَلَيْهِ ضَمَانُ الرَّقَبَةِ فَلَمَّا ضَمِنَ الْغَاصِبُ الرَّقَبَةَ سقط عنه ضمان الغلة. قالوا ولأن مَنَافِعَ الْأَعْيَانِ تَبَعٌ لَهَا فَإِذَا ضُمِنَتِ الرَّقَبَةُ دَخَلَ فِيهَا ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ كَالْمُشْتَرِي لَمَّا ضَمِنَ الرَّقَبَةَ بِالثَّمَنِ دَخَلَ فِيهِ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ. وَتَحْرِيرُهُ قَالَ إِنَّ مَا أَوْجَبَ ضَمَانَ الرَّقَبَةِ سَقَطَ مَعَهُ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ. قَالُوا وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْحُرِّ قَدْ يَصِحُّ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا بِالْبَدَلِ وَلَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَكَذَلِكَ مَنَافِعُ الْمَمْلُوكِ وَإِنْ صَحَّتِ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا بِالْبَدَلِ لَمْ يَضْمَنْهَا بِالْغَصْبِ وَيَتَحَرَّرُ مِنْهُ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مَنَافِعُ أَعْيَانٍ فَلَمْ تُضْمَنْ بِالْغَصْبِ قِيَاسًا عَلَى مَنَافِعِ الْحُرِّ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَا يُضْمَنُ بِهِ مَنَافِعُ الْحُرِّ لَمْ يُضْمَنْ بِهِ مَنَافِعُ الْعَبْدِ كَالْعَارِيَةِ طَرْدًا وَالْإِجَارَةِ عَكْسًا. قَالُوا وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مَنْفَعَتَانِ مَنْفَعَةُ اسْتِمْتَاعٍ تُوجِبُ الْمَهْرَ وَمَنْفَعَةُ اسْتِخْدَامٍ تُوجِبُ الْأُجْرَةَ فَلَمَّا لَمْ يَضْمَنِ الْغَاصِبُ مَنْفَعَةَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْمَهْرِ لم يضمن منفعة الاستخدام بالأجرة يتحرر مِنْهُ قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ فَوَجَبَ أَلَّا يُضْمَنَ بِالْغَصْبِ كَالِاسْتِمْتَاعِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَمْ يُضْمَنْ بِهِ الْمُهُورُ لَمْ يُضْمَنْ بِهِ الْأُجُورُ كَالْجِنَايَةِ. قَالُوا وَلِأَنَّ أُصُولَ الشَّرْعِ مُقَرِّرَةٌ عَلَى أَنَّ مَا أَوْجَبَ ضَمَانَ الْعَيْنِ أَسْقَطَ ضَمَانَ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ وَمَا أَوْجَبَ ضَمَانَ الْمَنْفَعَةِ أَسْقَطَ ضَمَانَ الْعَيْنِ كَالْإِجَارَةِ وَكَانَتِ الْأُصُولُ مَانِعَةً مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَلَمَّا أَوْجَبَ الْغَصْبُ ضَمَانَ الْعَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا أَنَّ مَا أَوْجَبَ أَحَدَ الضَّمَانَيْنِ مَنَعَ مِنِ اجْتِمَاعِ الضَّمَانَيْنِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى مَالِكِهِ بِاسْتِهْلَاكِ مَنَافِعِهِ أَوْجَبَ الْعُمُومَ مَثَلًا مَشْرُوعًا وَهُوَ الْأُجْرَةُ لِأَنَّ الْقِيمَةَ أَحَدُ الْمِثْلَيْنِ وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِالْعُقُودِ ضُمِنَ بِالْغُصُوبِ كَالْأَعْيَانِ وَلِأَنَّ مَا ضُمِنَ بِهِ الْأَعْيَانُ ضُمِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>