للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهَا يَجْعَلُهَا بَيْعًا وَالْبَيْعُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ بَاطِلٌ، فَهَذَا حُكْمُ الْهِبَةِ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ، وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّ الْمُكَافَأَةَ عَلَى الْهِبَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَعَلَى هَذَا لَا شُفْعَةَ بِهَا وَيَكُونُ انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِهَا فِي سُقُوطِ الشُّفْعَةِ بِهِ كَانْتِقَالِهِ بِالْمِيرَاثِ فَهَذَا حُكْمُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ.

فَصْلٌ

: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ فَهِيَ عِرَاصُ الْأَرَضِينَ وَمَا يَتْبَعُهَا مُتَّصِلًا دُونَ غَيْرِهَا، وَجُمْلَةُ الْأَشْيَاءِ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ مَقْصُودًا وَهِيَ عِرَاصُ الْأَرَضِينَ الْمُحْتَمِلَةُ لِقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ، فَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ لِصِغَرِهَا كَالطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ وَبَيَاضِ الْبِيرِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: يَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ تَعْلِيلًا بِسُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَاسْتِدَامَةِ الضَّرَرِ بِهَا لِتَعَذُّرِ الْقِسْمَةِ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فيها تعليلاً في وجوبها بالخوف من مؤونة الْقِسْمَةِ وَأَنَّ مَا لَا يَنْقَسِمُ جَبْرًا فَلَا شفعة فيه لارتفاع الضرر بمؤونة الْقِسْمَةِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا شُفْعَةَ فِي فناءٍ وَلَا طريقٍ وَلَا منقبةٍ وَلَا ركحٍ وَلَا رهوةٍ " قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: " الْمَنْقَبَةُ: الطَّرِيقُ الضَّيِّقَةُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ، وَالرُّكْحُ: نَاحِيَةُ الْبَيْتِ مِنْ وَرَائِهِ وَمَا كَانَ فَضَاءً لَا بِنَاءَ فِيهِ، يَعْنِي إِذَا كَانَ لِلسَّابِلَةِ وَالْمَارَّةِ، وَالرَّهْوَةُ: الْجَوْبَةُ تَكُونُ فِي مَحَلَّةِ الْقَوْمِ يَسِيلُ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ وَغَيْرُهُ ".

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ تَبَعًا وهو البناء والغرس، إن كَانَ مَبِيعًا مَعَ الْأَرْضِ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ إِنْ كَانَ فِيهَا مَا يَحْتَمِلُ قِسْمَةَ الْإِجْبَارِ وَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْهَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الشُّفْعَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَجَبَتْ فِيهِ عِنْدَ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة.

وَإِنْ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ مُنْفَرِدًا عَنِ الْأَرْضِ فِي الْبَيْعِ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأبي حنيفة.

وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي البناء المفرد وفي الغراس وفي الثمار والمقاتي والمباطح لاتصال بِعِرَاصِ الْأَرْضِ الْمُسْتَحَقِّ فِيهَا الشُّفْعَةُ وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فَلَا شُفْعَةَ " فَجَعَلَ حُدُودَ الْقِسْمَةِ شَرَطًا فِي إِبْطَالِ الشُّفْعَةِ فَدَلَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهَا فِيمَا يُجْبَرُ فِيهِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ تَبَعٌ لِأَصْلِهِ فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ فِي الْأَرْضِ شُفْعَةً لِخُرُوجِهَا عَنِ الْعَقْدِ لَمْ يَجِبْ فِي الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ شُفْعَةٌ وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنْ لَا شُفْعَةَ فِيمَا أُفْرِدَ بِالْبَيْعِ مِنَ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَكَانَتْ دَارٌ ذَاتُ عُلُوٍّ مشترك

<<  <  ج: ص:  >  >>