للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَلِوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَأَبِي الصَّبِيِّ أَنْ يَأْخُذَا بِالشُّفْعَةِ لِمَنْ يَلِيَانِ إِذَا كَانَتْ غبطةٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلَا فَإِذَا وَلِيَا مَالَهُمَا أَخَذَاهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ:

اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ إِذَا وَجَبَتْ لَهُمَا بالشفعة لَمْ يَخْلُ حَالُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي أَخْذِهَا لَهُمَا حَظٌّ وَغِبْطَةٌ فَعَلَى وَلِيِّهِمَا أَنْ يَأْخُذَهَا لَهُمَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَهَا لَهُمَا لِأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى شَهَوَاتِ النُّفُوسِ. وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْوَلِيَّ مَنْدُوبٌ إِلَى فِعْلِ مَا عَادَ بِصَلَاحِ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ كَالدُّيُونِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلَيْسَ إِذَا كَانَ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مَوْقُوفًا عَلَى شَهَوَاتِ النُّفُوسِ مَا يُوجِبُ امْتِنَاعَ الْوَلِيِّ مِنْهُ إِذَا كَانَ فِيهِ صَلَاحٌ لَهُ كَشِرَاءِ الْأَمْلَاكِ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى الشَّهَوَاتِ وَلِلْمُوَلَّى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْهَا مَا كَانَ فِيهِ الصَّلَاحُ، فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَلِلْوَلِيِّ حَالَتَانِ:

حَالَةٌ يَأْخُذُ الشُّفْعَةَ وَحَالَةٌ يَرُدُّهَا، فَإِنْ أَخْذَهَا لَزِمَتِ الْأُولَى عَلَيْهِ وَصَارَتْ مَا كَانَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِذَا صَارَ رَشِيدًا أَنْ يَرُدَّ كَمَا لَا يَرُدُّ مَا اشْتَرَاهُ إِذَا كَانَ لَهُ فِيهِ غِبْطَةٌ وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْهَا وَلَمْ يَأْخُذْهَا فَلِلْمُولَّى عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ رَشِيدًا أَنْ يَأْخُذَهَا، وَقَالَ أبو حنيفة، قَدْ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ بِرَدِّ الْوَلِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا إِذَا بَلَغَ لِأَنَّ عَفْوَ مَنْ لَهُ الْأَخْذُ يُبْطِلُهَا كَالشَّرِيكِ.

وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ عَفْوَ الْوَلِيِّ عَنِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ مَرْدُودٌ كَالْإِبْرَاءِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمِلْكِ قَاضِيًا.

فَصْلٌ

: وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ حَظٌّ فِي أَخْذِ الشُّفْعَةِ إِمَّا لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ وَإِمَّا لِأَنَّ صَرْفَ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ أُمُورِهِ أَهَمُّ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْخُذَهَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مَا لَا حَظَّ لَهُ فِي شِرَائِهِ وَلَا يَصِيرُ الشِّقْصُ لِلْوَلِيِّ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مَا اشْتَرَى لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ جَازَ أَنْ يَصِيرَ لَهُ الشِّرَاءُ عِنْدَ بُطْلَانِهِ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ بِالشُّفْعَةِ مَا يَأْخُذُهُ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَصِيرَ لَهُ الشُّفْعَةُ عِنْدَ بُطْلَانِهَا لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشُّفْعَةَ مَرْدُودَةٌ وَالْوَلِيَّ مِنْ أَخْذِهَا مَمْنُوعٌ فَبَلَغَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ رَشِيدًا فَأَرَادَ أَخْذَ الشُّفْعَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ شُفْعَتَهُ قَدْ بَطَلَتْ بِتَرْكِ وَلَيِّهِ وَلَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا بَعْدَ رُشْدِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ أَخَذَ الْوَلِيُّ مَقَامَ أَخْذِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ قَامَ رَدُّ الْوَلِيِّ مَقَامَ رَدِّهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ طَرْدًا وَكَالْقِصَاصِ عَكْسًا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَخْذُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ رَدُّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>