للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مختصر القراض إملاء وما دخل في ذلك من كِتَابِ اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَيَّرَ رِبْحَ ابْنَيْهِ فِي الْمَالِ الَّذِي تَسَلَّفَاهُ بِالْعِرَاقِ فَرَبِحَا فِيهِ بِالْمَدِينَةِ فَجَعَلَهُ قِرَاضًا عِنْدَمَا قَالَ لَهُ رجلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا فَفَعَلَ وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَفَعَ مَالًا قِرَاضًا فِي النِّصْفِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْقِرَاضَ وَالْمُضَارَبَةَ اسْمَانِ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ، فَالْقِرَاضُ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَالْمُضَارَبَةُ لُغَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ.

وَفِي تَسْمِيَتِهِ قِرَاضًا تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ تَأْوِيلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ قَطَعَهُ مِنْ مَالِهِ وَالْقَطْعُ يُسَمَّى قِرَاضًا، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ سَلَفُ الْمَالِ قَرْضًا، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمُقْرِضُ مِقْرَاضًا لِأَنَّهُ يَقْطَعُ، وقبل قرض الفار لأنه قطع الفار.

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي وَهُوَ تَأْوِيلُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ سُمِّيَ قِرَاضًا لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صُنْعًا كَصُنْعِ صَاحِبِهِ فِي بَذْلِ الْمَالِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَوُجُودِ الْعَمَلِ مِنَ الْآخَرِ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إِذَا تَنَاشَدَا.

وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ فَفِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ فِي الرِّبْحِ بِسَهْمٍ، وَالثَّانِي أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فلان يصرف الأمور ظهر البطن، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ) {النساء: ١٠١) أَيْ تَفَرَّقْتُمْ فِيهَا بِالسَّفَرِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ تَفَرَّدَ بِهِ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ، وَيُشَارِكُ فِي الْأَوَّلِ الْبَغْدَادِيُّونَ وَبَاقِي الْبَصْرِيِّينَ.

فَصْلٌ

: وَالْأَصْلُ فِي إِحْلَالِ الْقِرَاضِ وَإِبَاحَتِهِ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) {البقرة: ١٩٨) وَفِي الْقِرَاضِ ابْتِغَاءُ فَضْلٍ وَطَلَبِ نَمَاءٍ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بعضٍ " وَفِي الْقِرَاضِ رِزْقُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِأَمْوَالِهَا إِلَى الشَّامِ وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ خَدِيجَةُ عَبْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>