للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنْ يَشْتَرِيَ أَرْضًا أَوْ يَسْتَأْجِرَهَا لِيَزْرَعَهَا أَوْ يَغْرِسَهَا وَيَقْتَسِمَا فَضْلَ زَرْعِهَا وَغَرْسِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ لما بيناه.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " فَإِنْ فَعَلَ فَذَلِكَ كُلُّهُ فاسدٌ فَإِنْ عَمِلَ فِيهِ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ وَالْمَالُ لِرَبِّهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا كَانَ الْقِرَاضُ فَاسِدًا فَعَمِلَ الْعَامِلُ فِيهِ قَبْلَ مَنْعِهِ مِنَ العامل وَاسْتِرْجَاعِ الْمَالِ مِنْهُ كَانَتْ عُقُودُ بُيُوعِهِ وَشِرَائِهِ صَحِيحَةً مَعَ فَسَادِ الْقِرَاضِ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ بِهَا وَاخْتِصَاصِ الْفَسَادِ بِنَصِيبِهِ مِنْ رِبْحِ الْقِرَاضِ.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ وَالْخُسْرَانُ عَلَيْهِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا فَسَدَ حُمِلَ عَلَى حُكْمِهِ لَوْ صَحَّ، فَلَمَّا كَانَ الْقِرَاضُ الصَّحِيحُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ شَيْئًا وَجَبَ إِذَا فَسَدَ أَلَّا يَسْتَحِقَّ شَيْئًا. وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ مَلَكَ الْعَامِلُ فِيهِ الْمُسَمَّى فِي العقد الصحيح ملك في أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا مَلَكَهُ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ مَلَكَهُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِ لَوْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إِنَّ الْعَقْدَ إِذَا فَسَدَ حُمِلَ عَلَى حُكْمِهِ لَوْ صَحَّ فَهُوَ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَسُقُوطِهِ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَى حُكْمِ الصَّحِيحِ فِيمَا سِوَى الضَّمَانِ.

عَلَى أَنَّهُ في الصحيح لما ضرب بسهم فِي كَثِيرِ الرِّبْحِ جَازَ أَلَّا يَأْخُذَ شَيْئًا مَعَ عَدَمِ الرِّبْحِ، وَفِي الْفَاسِدِ لَمَّا ضَرَبَ بسهم فِي كَثِيرِ الرِّبْحِ لَمْ يَبْطُلْ عَلَيْهِ عَمَلُهُ مَعَ عَدَمِ الرِّبْحِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ عَبْدًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ بَيْعًا فَاسِدًا وَهُوَ يُسَاوِي أَلْفًا ضَمِنَ الْمُشْتَرِي بِتَلَفِهِ أَلْفًا، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ يَدِهِ بِمِائَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِأَلْفٍ بَيْعًا فَاسِدًا وَهُوَ يُسَاوِي مِائَةً لَمْ يَضْمَنِ الْمُشْتَرِي بِتَلَفِهِ إِلَّا مِائَةً كَذَلِكَ، كَذَلِكَ فِي الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوِ اشْتَرَطَ أَنْ يَشْتَرِيَ صِنْفًا مَوْجُودًا فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَجَائِزٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَقْدَ الْقِرَاضِ ضَرْبَانِ: خَاصٌّ وَعَامٌّ.

فَأَمَّا الْعَامُّ فَهُوَ أَنْ يُطْلَقَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ فِي كُلِّ مَا يَرْجُو فِيهِ رِبْحًا فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى عُمُومِ التَّصَرُّفِ، وَأَمَّا الْخَاصُّ فَهُوَ أَنْ يَخْتَصَّ الْعَامِلُ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: مَا يُوجَدُ فِي عُمُومِ الأحوال كالحنطة والبر فَيَجُوزُ، وَيَكُونُ مَقْصُورَ التَّصَرُّفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>