للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا سَافَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَكْتَرِيَ مِنَ الْمَالِ مَنْ يَكْفِيهِ بَعْضَ الْمُؤْنَةِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا يَعْمَلُهَا الْعَامِلُ وَلَهُ النَّفَقَةُ بِالْمَعْرُوفِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: فِي جَوَازِ سَفَرِ الْعَامِلِ بِمَالِ الْقِرَاضِ.

وَالثَّانِي: فِي مُؤْنَةِ الْعَمَلِ.

وَالثَّالِثُ: فِي نَفَقَةِ الْعَامِلِ.

فَأَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ سَفَرُ الْعَامِلِ بِمَالِ الْقِرَاضِ، فَلِرَبِّ الْمَالِ معه ثلاثة أحوال:

أحدها: أَنْ يَنْهَاهُ عَنِ السَّفَرِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إِجْمَاعًا فَإِنْ سَافَرَ بِهِ ضمنه والقراض في حاله صحيحاً.

والحالة الثَّانِيَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي السَّفَرِ بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إِجْمَاعًا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي السَّفَرِ إِلَى بَلَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ لم يخص له بلد أجاز أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إِلَى الْبَلَدِ الْمَأْمُونَةِ الْمَمَالِكِ وَالْأَمْصَارِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنْ يُسَافِرُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَمَتَاجِرِهِمْ إِلَيْهَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنِ الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ فِيهَا وَلَا فِي الْبُعْدِ إِلَى أَقْصَى الْبُلْدَانِ، فَإِنْ بَعُدَ إِلَى أَقْصَى الْبُلْدَانِ ضمن المال.

والحالة الثَّالِثَةُ: أَنْ يُطْلِقَ فَلَا يَأْذَنُ لَهُ فِي السَّفَرِ وَلَا يَنْهَاهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ سَفَرِهِ بِالْمَالِ. فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ قَرِيبًا وَلَا بَعِيدًا سَوَاءٌ رَدَّ الْأَمْرَ إِلَى رَأْيِهِ أَمْ لَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ إِذَا أَرَادَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَنْهَهُ، وَقَالَ محمد بن الحسن وأبو يوسف يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ إِلَى حَيْثُ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ مِنْهُ قَبْلَ اللَّيْلِ.

وَقَالَ محمد بن الحسن يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ إِلَى حيث لا تلزمه مؤونة ودليلنا قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّ الْمُسَافِرَ وَمَالَهُ عَلَى قلتٍ إِلَّا مَا وَقَى اللَّهُ " - يَعْنِي عَلَى خَطَرٍ - وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَاطِرَ بِالْمَالِ، وَلِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ كَالْوَكِيلِ، وَلِأَنَّ كُلَّ سفر منع من الْوَكِيلُ مُنِعَ مِنْهُ الْعَامِلُ كَالسَّفَرِ الْبَعِيدِ.

فَصْلٌ

: وأما الفصل الثاني وهو مؤونة الْعَمَلِ فَيَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: قَسَمٌ يَجِبُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ وَلَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَقِسْمٌ يَلْزَمُ الْعَامِلَ وَلَا يَجِبُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ، فَأَمَّا مَا يَجِبُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ فَأُجْرَةُ الْمَحْمَلِ وَأُكْرِيَّةِ الْخَانِيَاتِ وَمَا صَارَ مَعْهُودًا مِنَ الضَّرَائِبِ الَّتِي لَا يُقْدَرُ عَلَى مَنْعِهَا فَلَهُ دَفْعُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ وَضْعُهُ مِنَ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ لِيَكُونَ الْفَاضِلُ بَعْدَهُ مِنَ الرِّبْحِ هُوَ الْمَقْسُومُ بَيْنَ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ على شرطهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>