للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكْلٍ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَمْ يُؤْكَلْ، وَلِلْكَلَامِ مَعَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا، فَأَمَّا دَمُ الْحُوتِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: نَجِسٌ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ، وَيُنَجِّسُ مَا وَقَعَ فِيهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ طَاهِرٌ، لَا يُنَجِّسُ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْحُوتَ لَمَّا بَايَنَ سَائِرَ الْأَمْوَاتِ بَايَنَ دَمُهُ سَائِرَ الدِّمَاءِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ مَا اتُّفِقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ الضُّفْدَعُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ ذَوَاتِ السُّمُومِ كَحَيَّاتِ الْمَاءِ وَعَقَارِبِهِ، فَهَذِهِ كُلُّهَا مُحَرَّمَةُ الْأَكْلِ، وَهِيَ إِذَا مَاتَتْ نَجِسَةٌ، وَهَلْ يَنْجَسُ الْمَاءُ بِمَوْتِهِ فِيهِ أَمْ لَا؟ عَلَى مَا مَضَى فِي الْقَوْلَيْنِ، وَقَالَ أبو حنيفة: إِنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً، وَلَا يَنْجَسُ الْمَاءُ بِمَوْتِهَا عَلَى أَصْلِهِ فِيمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِيهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا اخْتُلِفَ فِي إِبَاحَتِهِ، وَهُوَ مَا سِوَى الْحُوتِ الْمُبَاحِ، وَذَوَاتِ السُّمُومِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ دَوَابِّ الْمَاءِ وَكِلَابِهِ وَخَنَازِيرِهِ وَسِبَاعِهِ فَقَدْ عَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ مَا سَنَشْرَحُهُ فِي مَوْضِعِهِ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: أَنَّ جَمِيعَهُ حَرَامٌ مَا لَمْ يَكُنْ حُوتًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ " فَذَكَرَ الْحُوتَ وَالْجَرَادَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْحُوتِ لَيْسَ بِحَلَالٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَهُ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْبَحْرِ: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي جَمِيعِ مَيْتَتِهِ.

وَالثَّالِثُ: أم ما أشبه محرمات البر كالكلاب والخنازير والحمر وَالسِّبَاعِ كَانَ حَرَامًا، وَمَا أَشْبَهَ الْمَأْكُولَ مِنْهُ مِثْلُ دَوَابِّ الْمَاءِ وَبَقَرِهِ كَانَ حَلَالًا، فَعَلَى هَذَا إِذَا قُلْنَا: بِإِحْلَالِ ذَلِكَ، فَهُوَ طَاهِرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْمَاءُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ طَاهِرٌ، وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ حَرَامٌ، كَانَ نَجِسًا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهَلْ يُنَجِّسُ مَا مَاتَ فِيهِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: وَقَالَ أبو حنيفة: لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا يُنَجِّسُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(مَسْأَلَةٌ: لُعَابُ الْحَيَوَانِ وعرقه)

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلُعَابُ الدَوَابِّ وَعَرَقُهَا قِيَاسًا عَلَى بَنِي آدَمَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: كُلُّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ فَلُعَابُهُ وَعَرَقُهُ طَاهِرٌ، سَوَاءٌ كَانَ مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ.

وَقَدْ قَالَ أبو حنيفة: مَا كَانَ غَيْرَ مَأْكُولٍ فَلُعَابُهُ وَعَرَقُهُ نَجِسٌ، عَلَى تَرْتِيبِ مَا قَالَهُ فِي نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ بناء عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ، ثُمَّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ بَلَلٌ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا قِيَاسًا عَلَى لَبَنِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>