للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المساقاة مجموعةً من إملاءٍ ومسائل شتى جمعتها منه لفظاً

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " سَاقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى أَنَّ نَصَّفَ الثَّمَرِ لَهُمْ وَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَيَخْرِصُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ثُمَّ يَقُولُ إِنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وإن شئتم فلي (قال الشافعي) ومعنى قوله في الخرص إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي أن يخرص النخل كله كأنه خرصها مائة وسقٍ وعشرة أوسقٍ وعشرة أوسقٍ رطباً ثم قدر أنها إذا صارت تمراً نقصت عشرة أوسقٍ فصحت منها مائة وسقٍ تمراً فيقول إن شئتم دفعت إليكم النصف الذي ليس لكم الذي أنا فيه قيم لأهله على أن تضمنوا لي خمسين وسقاً تمراً من تمرٍ يسميه ويصفه ولكم أن تأكلوها وتبيعوها رطباً كيف شئتم وإن شئتم فلي أن أكون هكذا مثلكم وتسلمون إليّ نصفكم وأضمن لكم هذه المكيلة ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَهِيَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى النَّخْلِ وَالشَّجَرِ بِبَعْضِ ثَمَرِهِ وَفِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ ثَلَاثَةُ تَأْوِيلَاتٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ عَلَى مَا يَشْرَبُ بِسَاقٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ سُمِّيَ سَقْيًا فَاشْتَقُّوا اسْمَ الْمُسَاقَاةِ مِنْهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ غَالِبَ الْعَمَلِ الْمَقْصُودِ فِيهَا هُوَ السَّقْيُ فَاشْتُقَّ اسْمُهَا مِنْهُ.

وَالْمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ لَا يُعْرَفُ خِلَافٌ بَيْنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي جَوَازِهَا وَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا أبا حنيفة وَحْدَهُ دُونَ أَصْحَابِهِ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِإِبْطَالِهَا وَحُكِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ كَرَاهَتُهَا.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ أبي حنيفة عَلَى إِبْطَالِ الْمُسَاقَاةِ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الْغَرَرِ، وَغَرَرُ الْمُسَاقَاةِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَعَدَمِهَا، وَبَيْنَ قِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا، فَكَانَ الْغَرَرُ فِيهِ أَعْظَمَ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ بِإِبْطَالِهَا الْعَقْدَ أَحَقُّ.

وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَنَافِعَ أَعْيَانٍ بَاقِيَةٍ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ مَعْقُودًا بِبَعْضِهَا كَالْمُخَابَرَةِ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ تَنَاوَلَ ثَمَرَةً لَمْ تُخْلَقْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَمَا لَوِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ بِمَا تُثْمِرُهُ هَذِهِ النَّخْلَةُ فِي الْقَابِلِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>