للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابُ الشَّرْطِ فِي الرَّقِيقِ يَشْتَرِطُهُمُ الْمُسَاقِي

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُسَاقِي عَلَى رَبِّ النَّخْلِ غِلْمَانًا يَعْمَلُونَ مَعَهُ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي غَيْرِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ كَالْقِرَاضِ فِي أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى اخْتِصَاصِ رَبِّ الْمَالِ بِالنَّخْلِ وَاخْتِصَاصِ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ، فَإِذَا أُطْلِقَتِ الْمُسَاقَاةُ أَخَذَ الْعَامِلُ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ الثَّمَرَةُ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِأَعْوَانِهِ وَلَا اعْتِرَاضَ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي رَأْيٍ وَلَا عَمَلٍ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ فِي مِثْلِهَا

وَالْفَرْقُ بين المضاربة حيث لم يجز أن يستغني فِيهَا بِغَيْرِهِ بَدَلًا مِنْهُ، وَبَيْنَ الْمُسَاقَاةِ فِي جَوَازِ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُسَاقَاةَ لَمَّا لَزِمَتْ مَلَكَ الِاسْتِنَابَةَ فِيهَا، وَالْمُضَارَبَةُ لِمَا لَمْ تَلْزَمْ لَمْ يَمْلِكِ الِاسْتِنَابَةَ فِيهَا.

وَالْفَرْقُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمُضَارَبَةِ هُوَ الرَّأْيُ وَالتَّدْبِيرُ الْمُخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَهْلِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى فَسَادُهُ إِلَّا بَعْدَ نُفُوذِهِ وَفَوَاتِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَعِينَ فِيهِ بِمَنْ رُبَّمَا قَصَّرَ عَنْ رَأْيِهِ لِفَوَاتِ اسْتِدْرَاكِهِ، وَلَيْسَتِ الْمُسَاقَاةُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْعَمَلُ، وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ إِنْ حَصَلَ، وَاسْتِدْرَاكُهُ مُمْكِنٌ إِنْ حَدَثَ فَجَازَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْمَلُ بِتَدْبِيرِهِ فَإِنْ قَصَّرَ تَقْصِيرًا اسْتُدْرِكَ.

فَصْلٌ

: فَإِنْ شَرَطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ غِلْمَانًا يَعْمَلُونَ مَعَهُ جَازَ الشَّرْطُ وَصَحَّتِ الْمُسَاقَاةُ، وَهَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَمَا عَلَيْهِ فُقَهَاءُ أَصْحَابِهِ فِي جَوَازِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْمُضَارَبَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الْمُسَاقَاةِ.

وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، وَالْفَرْقُ بينهما أنا فِي الْمُسَاقَاةِ عَمَلًا يَخْتَصُّ بِرَبِّ النَّخْلِ وَهُوَ حَفْرُ الْآبَارِ، وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عَمَلَ غِلْمَانِهِ وَلَيْسَ فِي الْمُضَارَبَةِ عَمَلٌ يَخْتَصُّ بِرَبِّ الْمَالِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عَمَلَ غِلْمَانُهُ.

فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا جَوَّزْتُمْ دُخُولَ الْعَبِيدِ فِي الْمُسَاقَاةِ تَبَعًا، فَهَلَّا جَوَّزْتُمُ الْعَقْدَ عَلَيْهِمْ بِبَعْضِ كَسْبِهِمْ مُنْفَرِدًا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>