للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قِيلَ قَدْ يَجُوزُ فِي تَوَابِعِ الْعَقْدِ مَا لَا يَجُوزُ إِفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ يَصِحُّ أَنْ تُفْرَدَ بِالْعَقْدِ، وَلَوْ عُقِدَتْ عَلَى مَالٍ صَحَّ، وَكَانَ عَمَلُ الْبَدَنِ فِيهَا تَبَعًا لِلْعَقْدِ.

فَإِنْ قِيلَ فَإِذَا جَوَّزْتُمْ للعامل أن يشرط على رب النخل غِلْمَانِهِ فَهَلَّا جَوَّزْتُمْ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ عَمَلَ نَفْسِهِ، قِيلَ لَا يَجُوزُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ رب المال لا يكون تبعاً لما له، وقد يكون غلمانه تبعاً لما له كَالدُّولَابِ وَالثَّوْرِ فِي الْمُسَاقَاةِ.

فَإِنْ قِيلَ فَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ مَشْرُوطًا عَلَى غِلْمَانِ رَبِّ النَّخْلِ فَلِمَاذَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ سَهْمَهُ مِنَ الثَّمَرَةِ، قِيلَ بِالتَّدْبِيرِ وَاسْتِعْمَالِ الْعَبِيدِ، وَلِذَلِكَ لَزِمَ الْعَبِيدَ أَنْ يَعْمَلُوا بِتَدْبِيرِ الْعَامِلِ فَإِنْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَعْمَلُوا بِتَدْبِيرِ أَنْفُسِهِمْ فَسَدَ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا صَحَّ أَنْ يَشْرُطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ غِلْمَانًا يَعْمَلُونَ مَعَهُ فَلَا يَخْلُو حَالُهُمْ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ غِلْمَانًا مُعَيَّنِينَ مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عَمَلَ عَبْدِهِ سَالِمٍ أَوْ غَانِمٍ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَلَا يَجُوزُ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يُبْدِلَهُمْ بِغَيْرِهِمْ لِأَنَّ عَمَلَ الْعَبِيدِ قَدْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُمْ فِي غَيْرِ نَخْلِ سَيِّدِهِمْ لِأَنَّ الْأُجَرَاءَ عَلَى الْعُمَّالِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَلُوا إِلَى غَيْرِ عَمَلِهِمْ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَ غِلْمَانًا مَوْصُوفِينَ غَيْرَ مُعَيَّنِينَ فَيَصِحُّ الْعَقْدُ بِاشْتِرَاطِهِمْ.

وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ حَتَّى يُعَيَّنُوا اعْتِبَارًا بِعُرْفِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي تَعْيِينِ الْعَبِيدِ فِي الْمُسَاقَاةِ. وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ الصِّفَةَ قَدْ تَقُومُ مَقَامَ الْمُشَاهِدَةِ وَالتَّعْيِينِ. أَلَا تَرَى أَنَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ قَدْ تَجُوزُ بِالصِّفَةِ كَمَا تَجُوزُ بِالتَّعْيِينِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:

(وَمَنْ يَصِفْكَ فَقَدْ سَمَّاكَ لِلْعَرَبِ)

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يُعِينَهُمْ وَلَا يَصِفَهُمْ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لِلْجَهْلِ بِهِمْ وَالْمُسَاقَاةُ فَاسِدَةٌ لِمَا اقْتُرِنَ بِهَا مِنْ جَهَالَتِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: وَيَجُوزُ لِرَبِّ النَّخْلِ أَنْ يَشْرُطَ عَلَى الْعَامِلِ غِلْمَانًا يَعْمَلُونَ مَعَهُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْعَمَلَ أَخَصُّ بِالْعَامِلِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَلَمَّا جَازَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْمَالِ كَانَ اشْتِرَاطُهُ عَلَى الْعَامِلِ أَجْوَزَ وَسَوَاءٌ عُيِّنُوا أَوْ وُصِفُوا أَوْ أُطْلِقُوا بِخِلَافِ اشْتِرَاطِهِمْ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُمْ فِي اشْتِرَاطِهِمْ عَلَى رَبِّ النَّخْلِ مُسْتَثْنَوْنَ مِنْ عَمَلٍ وَجَبَ عَلَى الْعَامِلِ، فَوَقَعَتِ الْجَهَالَةُ بِإِطْلَاقِهِمْ، وَهُمْ فِي اشْتِرَاطِهِمْ عَلَى الْعَامِلِ دَاخِلُونَ فِي جُمْلَةِ الْعَمَلِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَقَعِ الجهالة بإطلاقهم. والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَنَفَقَةُ الرَّقِيقِ عَلَى مَا يَتَشَارَطَانِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ نَفَقَةُ الرَّقِيقِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِمْ فَإِذَا جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لِلْمُسَاقِي بِغَيْرِ أُجْرَةٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بِغَيْرِ نفقةٍ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>