للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا سَاقَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي النَّخْلِ صَاحِبَهُ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ الثُّلُثَ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ فَاسِدَةً، لِأَنَّ الْمُسَاقَاةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ، فَإِذَا شَرَطَ إِسْقَاطَ الْعِوَضِ فِيهَا نَافَى مُوجِبَهَا، فَبَطَلَتْ، وَالْعَامِلُ إِذَا شَرَطَ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ فَقَدْ أَسْقَطَ ثُلُثَ مَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْمِلْكِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ، فَاقْتَصَرَ عَلَى الثُّلُثِ، وَصَارَ بَاذِلًا لِعَمَلِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ.

فَإِذَا بَطَلَتِ الْمُسَاقَاةُ بِمَا ذَكَرْتُ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِالْمِلْكِ قَالَ الْمُزَنِيُّ: وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ فِي عَمَلِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا بَذَلَ الْعَمَلَ عَلَى غَيْرِ بَدَلٍ صَارَ مُتَطَوِّعًا بِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لِأَنَّهَا مُسَاقَاةُ فَاسِدَةٌ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ يُحْمَلُ فِي وُجُوبِ الْعِوَضِ عَلَى حُكْمِ الصَّحِيحِ، وَإِنْ شَرَطَ فِيهِ إِسْقَاطَ الْبَدَلِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ كَانَ ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ قِيمَةٌ، لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ مُوجِبٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْعِوَضِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنْ لَا ثَمَنَ عَلَيْكَ كَانَ الْمُشْتَرِي ضَامِنًا لِقِيمَتِهِ، وَإِنْ شَرَطَ سُقُوطَ الْعِوَضِ، لِأَنَّ الْبَيْعَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَجَّرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنَّ أُجْرَةً عَلَيْكَ ضَامِنًا لِلْأُجْرَةِ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْعَقْدِ دُونَ الشَّرْطِ، كَذَلِكَ فِي الْمُسَاقَاةِ.

وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَاقَاةِ مُمْكِنٌ، وَهُوَ أَنَّ مُشْتَرِيَ الثَّوْبِ عَلَى أَنْ لَا ثَمَنَ عَلَيْهِ وَمُسْتَأْجِرَ الدَّارِ عَلَى أَنْ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ، هُمَا الْمُسْتَهْلِكَانِ مِلْكَ غَيْرِهِمَا، فَضَمِنَا الْعِوَضَ مَعَ مَا شُرِطَ مِنْ شُرُوطِ الْعِوَضِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَفِي الْمُسَاقَاةِ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ عَمَلَ نَفْسِهِ، فَغُلِبَ فِيهِ حُكْمُ التَّطَوُّعِ بِالشَّرْطِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ.

فَصْلٌ

: ولو ساقا أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَالنَّخْلُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عَلَى أَنَّ لِلْعَامِلِ نِصْفَ الثَّمَرَةِ كَانَتِ الْمُسَاقَاةُ فَاسِدَةً لِأَنَّ عَمَلَهُ فِيهَا هَدْرٌ لَا بَدَلٌ لَهُ وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِالْمِلْكِ دُونَ الْعَقْدِ، وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ عَلَى قَوْلِ الْمُزَنِيِّ، وَلَهُ الْأُجْرَةُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَكِنْ لَوْ شَرَطَا أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الثَّمَرَةِ، وَهُوَ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ النَّخْلِ صَحَّتِ الْمُسَاقَاةُ، لِأَنَّ مَا فَضُلَ عَنْ قُدْرَةِ مِلْكِهِ يَصِيرُ مُقَابَلَةَ عمل.

[مسألة]

قال المزني رحمه الله تعالى: " وَلَوُ سَاقَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى نخلٍ بَيْنَهُمَا سَنَةً مَعْرُوفَةً عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا على أن لأحدهما الثلث والآخر الثُّلُثَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِمُسَاقَاتِهِمَا مَعْنًى فَإِنْ عَمِلَا فَلِأَنْفُسِهِمَا عَمِلَا وَالثَّمَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي نَخْلٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ سَاقَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَا فِيهَا جَمِيعًا، عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ فَهَذِهِ مُسَاقَاةٌ بَاطِلَةٌ لِعِلَّتَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>