للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مختصر من الجامع في الإجارة من ثلاثة كتبٍ في الإجارة وما دخل فيه سوى ذلك

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَقَدْ يَخْتَلِفُ الرَّضَاعُ فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ إلا هذا جازت فيه الإجازة وَذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَعَمِلَ بِهَا بَعْضُ أَنْبِيَائِهِ فَذَكَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِجَارَتَهُ نَفْسَهُ ثَمَانِيَ حججٍ مَلَكَ بِهَا بُضْعَ امْرَأَتِهِ وَقِيلَ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ غَنَمًا فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَجْوِيزِ الْإِجَارَةِ وَمَضَتْ بِهَا السُّنَّةُ وَعَمِلَ بِهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا وعوام أهل الأمصار " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: " فالإجارات صنفٌ من البيوع لأنها تمليك لكل واحدٍ منهما من صاحبه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى مَنَافِعِ الْأَعْيَانِ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَحَكَى الشَّافِعِيُّ خِلَافَ بَعْضِ أَهْلِ الْكَلَامِ فِيهَا وَهُوَ مَا حُكِيَ عَنِ الْأَصَمِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ.

اسْتِدْلَالًا بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الْغَرَرِ وَالْغَرَرُ يَدْخُلُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى مِنْهَا أَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُسْتَقْبَلَةَ غَيْرُ مخلوقة والعقد على ما لم يخلق الباطل.

وَمِنْهَا أَنَّ الْعَقْدَ يَتَوَجَّهُ إِلَى عَيْنٍ حَاضِرَةٍ ترى أن غَائِبَةٍ تُوصَفُ وَلَيْسَتِ الْمَنَافِعُ أَعْيَانًا حَاضِرَةً وَلَا غَائِبَةً فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَمِنْهَا أَنَّ مَنَافِعَ الْعَبْدِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَدْ تَخْتَلِفُ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ وَنَشَاطِهِ وَكَسَلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وهذا قول جهل من قَالَهُ وَالْإِجَارَاتُ أَصُولٌ فِي أَنْفُسِهَا بُيُوعٌ عَلَى وَجْهِهَا وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِهَا قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) {الطلاق: ٦) .

قَالَ الشَّافِعِيُّ (فَأَجَازَ الْإِجَارَةَ عَلَى الرِّضَاعِ) وَالرِّضَاعُ يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ رِضَاعِ الْمَوْلُودِ وَقِلَّتِهِ وَكَثْرَةِ اللَّبَنِ وَقِلَّتِهِ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ إِلَّا هَذَا جَازَتِ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ وَإِذَا جَازَتْ عَلَيْهِ جَازَتْ عَلَى مِثْلِهِ وَمَا هُوَ فِي مِثْلِهِ مَعْنَاهُ وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ جَهَالَةَ الرِّضَاعِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قِلَّةُ اللَّبَنِ وَكَثْرَتُهُ.

وَالثَّانِي: قِلَّةُ شُرْبِ الصَّبِيِّ وَكَثْرَتُهُ ثُمَّ صَحَّتِ الْإِجَارَةُ فِيهِ فَكَانَتْ صِحَّتُهَا فِي غَيْرِهِ أَوْلَى وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ (بِقَوْلِهِ تَعَالَى) {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>