للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مَوْجُودًا فِي الشَّيْءِ الْمُؤَاجِرِ كَالدَّارِ إِذَا خَرِبَتْ وَالدَّابَّةِ إِذَا مَرِضَتْ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَفْسَخَ دُونَ الْمُؤَجِّرِ كَمَا لَوْ وُجِدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ كَانَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ دُونَ الْبَائِعِ.

وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مَوْجُودًا فِي الْأُجْرَةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ أُبْدِلَ الْمَعِيبُ بِغَيْرِهِ وَلَا خِيَارَ وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً فَلِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَفْسَخَ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا يَفْسَخُ الْبَائِعُ بِوُجُودِ الْعَيْبِ فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ بِعُذْرٍ يَطْرَأُ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَيْبٌ.

وَقَالَ أبو حنيفة يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ بِالْأَعْذَارِ الظَّاهِرَةِ مَعَ السَّلَامَةِ مِنَ الْعُيُوبِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤَجِّرِ أَنْ يَفْسَخَ بِالْأَعْذَارِ مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ جَمَلًا لِحَجٍّ ثُمَّ يَبْدُوَ لَهُ الْعُدُولُ مِنَ الْحَجِّ إِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيَصِيرَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ.

أَوْ يَسْتَأْجِرَ دَارًا لِيَسْكُنَهَا ثُمَّ يُرِيدُ النُّقْلَةَ عَنِ الْبَلَدِ أَوْ يَسْتَأْجِرَ حِرْزًا لِمَتَاعِهِ ثُمَّ يُرِيدُ بَيْعَهُ أَوْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَطْحَنُ لَهُ بُرًّا ثُمَّ يُرِيدَ بَذْرَهُ إِلَى مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ فَيُجْعَلَ لَهُ بِهَا فَسْخُ الْإِجَارَةِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ عُقُودَ الْمَنَافِعِ لَا تَلْزَمُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ لِلْأَعْذَارِ مَدْخَلًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ.

أَلَا ترى أن من استؤجر لقلع ضرب فبرأ جَازَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَسْخُ الْإِجَارَةِ لِلْعُذْرِ الطَّارِئِ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَلْعِ ضِرْسِهِ وَكَذَا كُلُّ عُذْرٍ وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ) {المائدة: ١) فَكَانَ عُمُومُ هَذَا الْأَمْرِ يُوجِبُ الْوَفَاءَ بِكُلِّ عَقْدٍ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ يُخَصِّصُهُ.

وَلِأَنَّ كُلَّ عِقْدٍ لَزِمَ الْعَاقِدَيْنِ مَعَ سَلَامَةِ الْأَحْوَالِ لَزِمَهُمَا مَا لَمْ يَحْدُثْ بِالْعِوَضَيْنِ نَقْصٌ كَالْبَيْعِ.

وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لَزِمَ الْعَاقِدَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْعُذْرِ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ خِيَارٌ بِحُدُوثِ عُذْرٍ كَالزَّوْجِ وَلِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ لَا يَمْلِكُ بِهِ الْمُؤَجِّرُ الْفَسْخَ لَمْ يَمْلِكْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ الْفَسْخَ كَالْأُجْرَةِ لَا يَكُونُ حُدُوثُ الزِّيَادَةِ فِيهَا مُوجِبًا لِفَسْخِ الْمُؤَجِّرِ كَمَا لَمْ يَكُنْ حُدُوثُ النُّقْصَانِ فِيهَا مُوجِبًا لِفَسْخِ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ نُقْصَانَهَا فِي حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ كَزِيَادَتِهَا فِي حَقِّ الْمُؤَجِّرِ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ إِجَارَةٍ فَلَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ بِعُذْرٍ كَالْمُؤَجِّرِ.

وَلِأَنَّ الْعُقُودَ نَوْعَانِ: لَازِمَةٌ فَلَا يَجُوزُ فَسْخُهَا لِعُذْرٍ كَالْبَيْعِ وَغَيْرُ لَازِمَةٍ فَيَجُوزُ فَسْخُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ كَالْقِرَاضِ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مُلْحَقًا بِغَيْرِ اللَّازِمِ فِي جَوَازِ فَسْخِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِاللَّازِمِ فِي إِبْطَالِ فَسْخِهِ بِعُذْرٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>