للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَلَدِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مُخْتَلِفًا مَعَ إِطْلَاقِ الشَّهْرِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ، فَإِنْ أَغْفَلَهُ بَطَلَتِ الْإِجَارَةُ فَلَوِ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا مَسَافَةَ شَهْرٍ إِلَى مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ مَا تَقَدَّرَ الْعَمَلُ فِيهِ لَمْ يَجُزِ اشْتِرَاطُ الْمَدَّةِ فِيهِ وَمَا شُرِطَ فِيهِ الْمُدَّةُ لَمْ يُجْزِ تَقْدِيرُ الْعَمَلِ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيلِ؛ وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُجِيزُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ التَّأْكِيدِ وَكَانَ أَبُو الْفَيَّاضِ يَقُولُ إِنْ كَانَ الْعَمَلُ مُمْكِنًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَمْ يَصِحَّ وَالتَّعْلِيلُ الْمَاضِي يُفْسِدُ هَذَيْنِ الْمَذْهَبَيْنِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إِلَى بَلَدٍ بِعَيْنِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَهَا إِلَى غَيْرِهِ فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ تَسْلِيمَهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْكَبَ إِلَى غَيْرِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ تَسْلِيمَهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لِاسْتِئْجَارِهِ إِيَّاهَا ذَاهِبًا وَعَائِدًا جَازَ أَنْ يَرْكَبَهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ إِذَا كَانَ عَلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَكَانَ طَرِيقُهُ مُسَاوِيًا لِطَرِيقِهِ فِي السُّهُولَةِ وَالْحَزُونَةِ أَوْ أَسْهَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَجُزْ إِنْ كَانَ أَبْعَدَ أَوْ أَحْزَنَ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الْيَهُودِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا أَوْ حُرًّا مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ مَضْمُونٍ فِي ذِمَّتِهِ جَازَ. وَقَدْ كَانَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَسْتَقِي الْمَاءَ لِامْرَأَةٍ يَهُودِيَّةٍ كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى خِدْمَةٍ تَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ فَفِي الْإِجَارَةِ قَوْلَانِ؛ كَمَا لَوِ ابْتَاعَ الْيَهُودِيُّ عَبْدًا مُسْلِمًا:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا بَاطِلَةٌ. وَالثَّانِي: جَائِزَةٌ. فَإِنْ نَقَلَهَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ نَفْسِهِ إِلَى مُسْلِمٍ وَإِلَّا فَسَخَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا استأجر المسلم أخيراً فَوَجَدَهُ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا تَبْطُلُ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَهُوَ مَا كَانَ اخْتِلَافُ الدِّينِ مَانِعًا مِنْهُ وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَمْنَعُ مِنْهُ حُكْمًا كَالْحَجِّ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ فِيهِ وَإِنْ حَجَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُفَوِّتُ لِعَمَلِ نَفْسِهِ بِمَا كَتَمَهُ مِنْ كُفْرِهِ. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مَا مَنَعَ مِنْهُ حَظْرًا مِثْلُ كَتْبِ الْمَصَاحِفِ لِأَنَّ الْكَافِرَ مَمْنُوعٌ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَالِهِ حَتَّى كَتَبَهُ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ دُونَ الْمُسَمَّى لِأَنَّ الْعَمَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَدْ كَمُلَ لِمُسْتَأْجِرِهِ عَنْ عَقْدٍ حُكِمَ بِفَسَادِهِ فَهَذَا قِسْمٌ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَا تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ وَهُوَ أَعْمَالُ الصِّنَاعَاتِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ كَبِنَاءِ دَارٍ أَوْ عِمَارَةِ أَرْضٍ أَوْ رَعْيِ مَاشِيَةٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَعْمَالٌ يَسْتَوِي فِيهَا الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا تَصِحُّ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَيَثْبُتُ فِيهِ الْخِيَارُ وَهُوَ مَا كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ طَاعَةً مَقْصُودَةً كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْرِ الْأَضَاحِي فَإِنْ كَانَتِ الْإِجَارَةُ مُعَيَّنَةً فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ فِي الْمُقَامِ أَوِ الْفَسْخِ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُسْلِمِ بِهِ أَعْظَمُ ثَوَابًا وَإِنْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ قِيلَ لِلْأَجِيرِ إِنِ اسْتَنَبْتَ فِيهَا مُسْلِمًا فَلَا خِيَارَ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ تَوَلَّيْتَهَا بِنَفْسِكِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ.

فَصْلٌ

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِرَضَاعِ طِفْلٍ جَازَ إِذَا عَرَفَتْ سِنَّهُ مُشَاهَدَةً أَوْ خَبَرًا وَكَانَ زَمَانُ رَضَاعِهِ مَعْلُومًا فَإِنْ لَمْ تُشَاهِدْهُ وَلَا أَخْبَرَتْ بِسِنِّهِ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِلَافِ شُرْبِهِ بِاخْتِلَافِ سِنِّهِ ثُمَّ عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>