للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

: إِجَارَةُ الْمُشَاعِ تَجُوزُ مِنَ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أبو حنيفة تَجُوزُ مِنَ الشَّرِيكِ وَلَا تَجُوزُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِيمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى رَهْنِ الْمُشَاعِ دَلِيلٌ عَلَى إِجَارَتِهِ وَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ صَحَّ مَعَ الشَّرِيكِ صَحَّ مَعَ غَيْرِهِ كَالْبَيْعِ.

فَصْلٌ

: فِي إِجَارَةِ الْحَفَائِرِ وَالْبِنَاءِ وهذا الفصل مشتمل على مسألتين:

أحدهما: فِي حَفَائِرِ الْآبَارِ وَالْأُخْرَى فِي الْبِنَاءِ. فَأَمَّا حَفَائِرُ الْآبَارِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْقِدَ الْإِجَارَةَ فِيهِ عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ كَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ لِحَفْرِ بِئْرٍ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ كُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ فَيَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عُمْقَ الْبِئْرِ وَدَوَرَهَا إِذَا أَشَارَ إِلَى الأرض التي يحفر فها وَتَكُونُ أُجْرَتُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ عَمَلِهِ كَأُجْرَتِهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ كَانَ قِسْطُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ دِرْهَمًا يَسْتَوِي فِيهِ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ فِي حَفْرِ أَعْلَى الْبِئْرِ وَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ فِي حَفْرِ أَسْفَلِهَا وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى حَفْرٍ مُقَدَّرٍ بِالْعَمَلِ دُونَ الْمُدَّةِ كَرَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فِي عُمْقٍ وَدَوَرٍ مَعْلُومَيْنِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَيَصِحُّ مَضْمُونًا وَمُعَيَّنًا وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَاطِنَ الْأَرْضِ قَدْ يَخْتَلِفُ بِالصَّلَابَةِ وَالرَّخَاوَةِ فَتَخْتَلِفُ أُجْرَتُهُ بِاخْتِلَافِ صَلَابَتِهِ وَرَخَاوَتِهِ.

وَذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إِلَّا بَعْدَ مُشَاهَدَةِ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ تُرَابِ الْبِئْرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَصَارَ الْعَمَلُ بِهَذَيْنِ مَجْهُولًا فَبَطَلَتْ فِيهِ الْإِجَارَةُ حَتَّى تَكُونَ مَعْقُودَةً عَلَى الْأَيَّامِ وَهَذَا قَوْلٌ شَذَّ قَائِلُهُ عَنِ الْكَافَّةِ وَخَالَفَ فِيهِ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَلَى أَعْمَالٍ مَعْلُومَةٍ كَعَقْدِهَا عَلَى أَيَّامٍ مَعْلُومَةٍ فِي الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الصَّنَائِعِ يَصِحُّ فِيهَا الْأَمْرَانِ عَلَى مَا وَصَفْنَا فَهَكَذَا حَفْرُ الْآبَارِ يَصِحُّ فِيهِ الْأَمْرَانِ فَإِنْ قُدِّرَ بِالْأَيَّامِ كَانَ الْعَقْدُ عَلَى مَعْلُومٍ وَإِنْ قُدِّرَ بِالْعَمَلِ كَانَ عُمْقًا وَدَوَرًا فَهُوَ عَلَى مَعْلُومٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرَانِ فِي الصِّحَّةِ عَلَى السَّوَاءِ وَقَوْلُهُمْ إِنَّ بَاطِنَ الْأَرْضِ قَدْ يَخْتَلِفُ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فَقَدْ عَرَفَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بَاطِنَ الْأَرْضِ كُلَّ تُرْبَةٍ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فَصَارَ بَاطِنُهَا بِمُشَاهَدَةِ الظَّاهِرِ مَعْلُومًا كَالْمُشَاهَدِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِخِلَافِهِ كَمَا يَصِيرُ بَاطِنُ الصبرة من الطعام معلوماً بمشاهدة الظَّاهِرِ فَيَصِحُّ فِيهِ الْبَيْعُ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مُتَغَيِّرًا لِأَنَّهُ إِنْ وُجِدَ نَقْصًا وَتَغَيُّرًا فُسِخَ فَكَذَا الْإِجَارَةُ وَقَوْلُهُمْ إِنَّ التُّرَابَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ فَخَطَأٌ لِأَنَّ مَا تَقَدَّرَ حَفْرُهُ بِالْعُمْقِ وَالدَّوَرِ تَقَدَّرَ تُرَابُهُ وَصَارَتِ الْبِئْرُ مِكْيَالًا لِتُرَابِهَا الْمَحْفُورِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ تُرَابَ مَا اسْتُؤْجِرَ عَلَى حَفْرِهِ فَانْهَارَ التُّرَابُ فِيهَا وَعَادَ إِلَيْهَا لَا يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ ثَانِيَةً لِأَنَّ مَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ مِنْ إِخْرَاجِ التُّرَابِ قَدْ وَفَّاهُ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ جَوَازُ الْإِجَارَةِ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ مَعْلُومَةِ الْعُمْقِ وَالدَّوَرِ بِأُجْرَةٍ مُسَمَّاةٍ فَعَلَى الْأَجِيرِ أَنْ يَحْفِرَ مَا اسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ مَا سُمِّيَ لَهُ فَإِنْ حَفَرَ بَعْضَهَا ثُمَّ مَاتَ أَوْ ظَهَرَتْ صَخْرَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>