للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِهَا مَعَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صَدْرِ الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنِ الْمُخَابَرَةِ. وَالْمُخَابَرَةُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَرَوَى يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ " كُنَّا نُخَابِرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَإِنَّ بَعْضَ عُمُومَتِي أَتَانِي فَقَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ أمرٍ كَانَ لَنَا نَافِعًا، وَطَوَاعِيةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْفَعُ لَنَا وَأَنْفَعُ، قَالَ: فَقُلْنَا: " وَمَا ذَاكَ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَنْ كَانَتْ لَهُ أرضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أخاه ولا يكاريها بثلث ولا ربعٍ ولا طعامٍ مُسَمًّى، وَرَوَى ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ " مَنْ لَمْ يَذَرِ الْمُخَابَرَةَ فَلْيُؤْذَنْ بحربٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلِأَنَّ الْأُصُولَ الَّتِي تَصِحُّ إِجَارَتُهَا وَلَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ كَسْبِهَا، وَكَذَا الْأَرَضُ لَمَّا جَازَتْ إِجَارَتُهَا لَمْ تَجُزِ الْمُخَابَرَةُ عَلَيْهَا.

فَهَذِهِ دَلَائِلُ الْفَرِيقَيْنِ فِي صِحَّةِ الْمُخَابَرَةِ وَفَسَادِهَا، وَلَمَّا اقْتَرَنَ بِدَلَائِلِ الصِّحَّةِ عَمَلَ أَهْلُ الْأَمْصَارِ مَعَ الضَّرُورَةِ الْمَاسَّةِ إِلَيْهَا، وَكَانَ مَا عَارَضَهَا مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ جَارِيًا عَلَى مَا فَسَّرَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ كَانَ صِحَّةُ الْمُخَابَرَةِ أَوْلَى مِنْ فَسَادِهَا مَعَ صِحَّةِ شَهَادَةِ الْأُصُولِ لَهَا فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُضَارَبَةِ.

فَصْلٌ

: فَإِنْ قِيلَ بِجَوَازِ الْمُخَابَرَةِ حَمْلًا فِيهَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ مِنْ بَذْرٍ وَسَهْمٍ، وَإِنْ قِيلَ بِفَسَادِهَا فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، فَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ لِمَالِكِ الْأَرْضِ فَالزَّرْعُ لَهُ، وَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ، وَبَقَرِهِ، وَآلَتِهِ، لِأَنَّهُ بَذَلَ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ فَسَادُ الْعَقْدِ فَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ لِلزَّارِعِ فَالزَّرْعُ لَهُ وَعَلَيْهِ لِرَبِّ الْأَرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِ أَرْضِهِ لِأَنَّهُ بَذَلَهَا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ فَسَادُ الْعَقْدِ، فَرَجَعَ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ لَهُمَا، فَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى رَبِّ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ نِصْفُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ، وَبَقَرِهِ، وَآلَتِهِ، وَعَلَى الْعَامِلِ لِرَبِّ الْأَرْضِ نِصْفُ أُجْرَةِ أَرْضِهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَوِ اشْتَرَكَ أَرْبَعَةٌ فِي زِرَاعَةِ الْأَرْضِ فَكَانَتِ الْأَرْضُ لِأَحَدِهِمْ، وَالْبَذْرُ لِلْآخَرِ، وَالْآلَةُ لِلْآخَرِ، وَمِنَ الرَّابِعِ الْعَمَلُ، عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ بَيْنَهُمْ أَرْبَاعًا كَانَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِشُرَكَائِهِ. وَقَدْ رَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ وَاصِلِ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ اشْتَرَكَ أَرْبَعَةُ رهطٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي زَرْعٍ فَقَالِ أَحَدُهُمْ قِبَلِيَ الْأَرْضُ، وَقَالَ الْآخَرُ، قِبَلِيَ الْبَذْرُ، وَقَالَ الْآخَرُ، قِبَلِيَ الْعَمَلُ، وقال الآخر قبلي الفدان، فما اسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ صَارُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَجَعَلَ الزَّرْعَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَأَلْغَى صَاحِبَ الْأَرْضِ، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْفَدَّانِ شَيْئَا مَعْلُومًا، وَجَعَلَ لِصَاحِبِ الْعَمَلِ دِرْهَمًا كُلَّ يومٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>