للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ مَا صَحَّ أَنْ يُؤَاجَرَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ صَحَّ أَنْ يُؤَاجَرَ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ، وَلِأَنَّ مَا صَحَّ أَنْ تُؤَاجَرَ بِهِ الدُّورُ وَالْعَقَارُ صَحَّ أَنْ تُؤَاجَرَ بِهِ الْأَرْضُونَ كَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَسَنُ مِنْ حَدِيثَيْ رَافِعٍ فِي النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا فَسَّرَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ كِرَائِهَا بِمَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ، لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ عَنْ رَافِعٍ مُخْتَلِفَةٌ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَمْعِهِ بَيْنَ الْأَرْضِ، وَبَيْنَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنَ النَّخْلِ أَعْيَانٌ، وَمِنَ الْأَرْضِ آثَارٌ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ حَدِيثَيْ رَافِعٍ فَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَنَهْيُهُ عَنْ إِجَارَتِهَا بِطَعَامٍ مُسَمًّى يَعْنِي مِنَ الْأَرْضِ الْمُؤَاجَرَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْمُخَابَرَةِ فَهُوَ أَنَّ الْعِوَضَ فِي الْمُخَابَرَةِ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَفِي الْإِجَارَةِ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا يَجُوزُ الْكِرَاءُ إِلَّا عَلَى سنةٍ معروفةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وَأَنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً، وَأَنَّهَا تَجُوزُ سَنَةً، وَفِي جَوَازِهَا سِنِينَ قَوْلَانِ.

فَإِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ سَنَةً فَعَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَشْتَرِطَ سَنَةً هِلَالِيَّةً، فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ يُحْتَسَبُ بِكُلِّ شَهْرٍ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، كَامِلًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا وَيَكُونُ قَدْرُ السَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا، وَهَذَا أَخَصُّ الْآجَالِ بِالشَّرْعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ، قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) {البقرة: ١٨٩) .

وَالْقِسْمُ الثاني: أن يشترط سَنَةً عَدَدِيَّةً فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْعَقْدُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وستين يوماً كاملة لأن عدد الشهر مستوفٍ بِكَمَالِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ سَنَةً شَمْسِيَّةً وَهِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَسِتُّونَ يَوْمًا وَرُبُعُ يَوْمٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِهَذَا الْأَجَلِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ لِلْعِلْمِ بِالْمُدَّةِ فِيهَا.

وَالثَّانِي: بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِحِسَابٍ تُنْسَأُ فِيهِ أَيَّامٌ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى النَّسِيءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا النَسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرَ) {التوبة: ٣٧) .

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يُطْلِقَ ذِكْرَ السَّنَةِ، فلا يشترطهما هِلَالِيَّةً، وَلَا عَدَدِيَّةً وَلَا شَمْسِيَّةً فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ حَمْلًا عَلَى السَّنَةِ الْهِلَالِيَّةِ لِأَنَّهُ الزَّمَانُ الْمُقَدَّرُ فِي الْآجَالِ الشَّرْعِيَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا تَكَارَى الرَّجُلُ الْأَرْضَ ذَاتَ الْمَاءِ مِنَ الْعَيْنِ أَوِ النَّهْرِ أَوْ عَثَرِيًّا أَوْ غَيْلًا أَوِ الْآبَارِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا غَلَّةَ شتاءٍ وصيفٍ فَزَرَعَهَا إِحْدَى

<<  <  ج: ص:  >  >>