للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ مَا مَضَى كَمَا كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ ما بقي لأنها صفقة فلم يفترق حكمها فِي الْخِيَارِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ فَسَخَ فِي الْجَمِيعِ رَجَعَ بِالْمُسَمَّى، وَكَانَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى، وَإِنْ أَقَامَ عَلَى مَا مَضَى، وَفَسَخَ فِيمَا بَقِيَ، لَزِمَهُ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقِسْطِ ما مضى، ويرجع مِنْهَا بِقِسْطِ مَا بَقِيَ، وَقَدْ خَرَجَ قَوْلٌ آخَرُ: إِنَّهُ يُقِيمُ عَلَى مَا مَضَى بِكُلِّ الْأُجْرَةِ وَإِلَّا فَسَخَ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ.

فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ لَمْ يُقَسِّطْ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا يُقَسِّطُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَإِذَا كَانَ الْمَاضِي مِنَ الْمُدَّةِ نِصْفَهَا لَمْ يَرْجِعْ بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ، وَقِيلَ: " كَمْ تُسَاوِي أُجْرَةُ مِثْلِ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ؟ فَإِذَا قِيلَ عِشْرُونَ دِينَارًا، قِيلَ وَكَمْ تُسَاوِي أُجْرَةُ مِثْلِ الْمُدَّةِ الْبَاقِيَةِ؟ فَإِذَا قِيلَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ رَجَعَ بِثُلُثِ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ كَانَ أُجْرَةُ مَا مَضَى عشرة وأجرة ما بقي عشرون، رَجَعَ بِثُلُثَيِ الْأُجْرَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ تَخْتَلِفُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْمُدَّتَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَسِّطَ عَلَى أَعْدَادِهَا وَلَزِمَ أَنْ يُقَسِّطَ عَلَى أُجُورِ أَمْثَالِهَا والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ تَكَارَاهَا سَنَةً فَزَرَعَهَا فَانْقَضَتِ السَّنَةُ وَالزَّرْعُ فِيهَا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يُحْصَدَ فَإِنْ كَانَتِ السَّنَةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعَا يُحْصَدُ قَبْلَهَا فَالْكِرَاءُ جائزٌ وَلَيْسَ لِرَبِّ الزَّرْعِ أَنْ يُثَبِّتَ زَرْعَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْقُلَهُ عَنِ الْأَرْضِ إلا أن يشاء رب الأرض تركه (قال الشافعي) وإذا شرط أن يزرعها صنفاً من الزرع يستحصد أو يستقصل قبل السنة فأخره إلى وقتٍ من السنة وانقضت السنة قبل بلوغه فكذلك أيضاً وإن تكاراها لمدةٍ أقل من سنةٍ وشرط أن يزرعها شيئاً بعينه ويتركه حتى يستحصد وكان يعلم أنه لا يمكنه أن يستحصد في مثل المدة التي تكاراها فالكراء فيه فاسدٌ من قبل أني إن أثبت بينهما شرطهما ولم أثبت على رب الأرض أن يبقي زرعه فيها بعد انقضاء المدة أبطلت شرط الزارع أن يتركه حتى يستحصد وإن أثبت له زرعه حتى يستحصد أبطلت شرط رب الأرض فكان هذا كراء فاسداً ولرب الأرض كراء مثل أرضه إذا زرعه وعليه تركه حتى يستحصد ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الرَّجُلُ أَرْضًا مُدَّةً مَعْلُومَةً لِيَزْرَعَهَا زَرْعًا مَوْصُوفًا فَزَرَعَهَا، ثُمَّ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ، قَبْلَ اسْتِحْصَادِ زَرْعِهَا، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُدَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ الزَّرْعَ يُسْتَحْصَدُ فِي مِثْلِهَا، وَالثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْصَدُ فِي مِثْلِهَا، وَالثَّالِثُ: أَنْ يَقَعَ الشَّكُّ فِيهِ.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ بِجَارِي الْعَادَةِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الزَّرْعِ يُسْتَحْصَدُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَانْقَضَتِ الْمُدَّةُ قَبْلَ اسْتِحْصَادِهِ، فَلَا يَخْلُو ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ تَأَخُّرُ اسْتِحْصَادِهِ لِعُدُولِهِ عَنِ الْجِنْسِ الَّذِي شَرَطَهُ إِلَى غَيْرِهِ مِثْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لِزَرْعِ الْبَاقِلَّا، فَيَزْرَعُهَا بُرًّا، فَتَنْقَضِي الْمُدَّةُ، وَالزَّرْعُ غَيْرُ مُسْتَحْصَدٍ، فَهَذَا يُؤْخَذُ بِقَلْعِ زَرْعِهِ قَبْلَ اسْتِحْصَادِهِ لِأَنَّهُ بِعُدُولِهِ عَنِ الْبَاقِلَّا إِلَى الْبُرِّ يَصِيرُ مُتَعَدِّيًا فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>